زينة حداد/ جريدة الأخبار
بدل إدانة جرائم أفيخاي أدرعي في غزة ولبنان، احتفت وسائل إعلام عربية بانتهاء خدمته للكيان الاستعماري، مقدّمةً مجرم الحرب كأنه شخصية ناجحة تستحق التكريم. بين تقارير تمجّد «مسيرته» وأخرى تتابع خليفته، يكشف المشهد انحدارًا أخلاقيًا وإعلاميًا فاضحًا في تلميع وجه الاستعمار الإسرائيلي
بدل تسليط الضوء على المجازر التي كان شريكًا فيها خلال حرب الإبادة على غزة والحرب التي شنها العدو على لبنان، احتفل بعض الإعلام العربي بإعلان أفيخاي أدرعي، عن انتهاء عمله كناطق إعلامي باللغة العربية باسم «جيش» العدو الإسرائيلي، بعد عشرين عامًا من خدمة الكيان الاستعماري.
تمجيد مسيرة دموية
هكذا، عرضت بعض الشاشات الخليجية واللبنانية تقارير حول ما سمّته «مسيرة» أفيخاي، وكأنه شخصية ذات سجلّ مليء بالإنجازات والنجاحات، لا وجهًا لكيان استعماري واظب على ممارسة أبشع المجازر في العامين الماضيين.
تغاضى الإعلام عن الجرائم والإنذارات التي كان يطلقها أفيخاي بين غزة ولبنان واليمن، وركّز على «حزّورة» خليفته التي ستتبوأ المنصب مكانه. كما ذهبت وسائل الإعلام أبعد من ذلك، لتصوّر إنهاء خدمة أفيخاي وكأنها لحظة «مفصلية». وكشفت التقارير والعناوين الانحطاط الذي وصل إليه بعض الإعلام العربي المتأسرل في تلميع صورة أفيخاي الذي عُرف بجرائمه وتحريضه على الصحافيين والأبرياء.
«الشرق الأوسط» تحتفي بالمسيرة المكللة... بالمجازر
في هذا السياق، نشرت صحيفة «الشرق الأوسط» السعودية تقريرًا حول ما سمّته «أفيخاي أدرعي يغادر منصبه وسط تغييب للمنافسين. عمل 20 عامًا في موقعه... وخليفته المحتملة كابتن إيلا من أصول فلسطينية».
صوّرت الصحيفة السعودية، التي تصدر بنسخة إلكترونية فقط، إزاحة أفيخاي وكأننا في برنامج مسابقات مواهب غنائية. فلا منافسين على خلافة الناطق بالعربية، وإن وُجدوا فإنهم من أصول فلسطينية! ثم أرفقت الصحيفة خبرًا حول عمل أفيخاي، قائلة إن ظهوره الأول كان «خلال خطة «فكّ الارتباط» من غزة عام 2005، وتحوّل إلى واجهة إعلامية إسرائيلية للناطقين باللغة العربية».
في السياق نفسه، خصصت شبكة «سكاي نيوز» الإماراتية تقريرًا بعنوان «بعد 20 عامًا من الخدمة... أدرعي يودّع الجيش الإسرائيلي»، محتفيةً بمسيرة أفيخاي، وكأن تركه لمهماته يتطلّب وداعًا يُحتفى فيه.
الإعلام اللبناني ليس بعيدًا
لم يكن الإعلام الخليجي وحده الذي خصّص تقارير حول «مسيرة» أفيخاي، بل كذلك الإعلام اللبناني. فقد نشرت قناة «الجديد» خبرًا عنونته «أفيخاي أدرعي يبتعد أكثر من 500 متر... إلى أين ومن البديل؟!». نكتة تفتقد إلى أدنى معايير الإنسانية والأخلاقية، متناسيةً الخوف الذي كانت تسبّبه إنذارات أفيخاي للمواطنين اللبنانيين والفلسطينيين بالابتعاد 500 متر عن موقع القصف.
أما جريدة «النهار» فانشغلت بخليفة أفيخاي، ونشرت أخبارًا متتالية عنها، فعنونت مقالها «من هي «كابتن إيلا» المرشحة الأقرب لخلافة أفيخاي أدرعي؟»، وكأننا في مسابقة جمال أو أزياء، وعلى القارئ أن يتوقّع أن الشخصية مفاجئة وجديدة على الساحة.
أصوات فلسطينية تفضح الجرائم
في المقابل، كانت الصفحات الفلسطينية الناشطة وحدها التي قدّمت ملخصات حول جرائم أفيخاي والمجازر التي ارتكبها في حرب الإبادة في غزة. فقد نشرت الصفحة الرسمية للإعلامي أنس الشريف، مراسل قناة «الجزيرة» الذي استشهد الصيف الماضي بعدما تلقّى تهديدات من أفيخاي، منشورًا قالت فيه «اليوم، غادر مجرم الحرب أفيخاي أدرعي الناطق باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي باللغة العربية منصبه بعد عشرين عامًا من التحريض الممنهج، اختتمها بعامين من التحريض المكثّف على الصحافيين الفلسطينيين وعلى رأسهم حبيبنا الشهيد أنس الشريف».
تابعت الصفحة استعراض جرائم أفيخاي بحق الصحافيين والعزّل، موردةً «كثيرًا ما كان شهيدنا الحبيب يرسل أو يعلّق على تلك التهديدات بقهرٍ وألم وخوف، لكنه كان مؤمنًا بأن الكلمة قادرة على كشف الجريمة وإيقاف حرب الإبادة. لكنه تُرك وحيدًا بلا نصير ولا حماية، لا من مؤسسات حقوق الإنسان، ولا من المؤسسات الصحافية، ولا من الدول التي كان يمكن أن تتدخل لوقف استهدافه، حتى كانت النهاية الموجعة والمفجعة بفقدانه الأليم».
لم تسلم الأخبار المنتشرة في وسائل الإعلام العربية من تعليقات الناشطين، ولعل أبرزها ما يختصر الموقف بعبارة «أفيخاي أدرعي يغادر منصبه بالجيش الإسرائيلي، نديم قطيش المسرح إلك».