رلى إبراهيم (الأخبار)
كما في اليوم الأول لزيارة البابا لاوون الرابع عشر، كذلك في اليوم الأخير، لم يرضَ رئيس حزب القوات سمير جعجع، سوى أن يكون خبراً أساسياً يتقدّم على البابا نفسه.
فبعدما تعمّدت النائبة ستريدا جعجع، إثارة بلبلة الأحد الفائت، بقولها من داخل القصر الجمهوري، إنّ «رئيس أكبر كتلة مسيحية» لم تتمّ دعوته إلى «الاحتفال الرسمي» في بعبدا، انتقلت الأضواء إلى معراب، ولا سيّما بعدما أشعل محازبو ومناصرو «القوات اللبنانية» مواقع التواصل الاجتماعي بانتقادات لاذعة إلى رئيس الجمهورية واللبنانية الأولى.
وفي القدّاس الإلهي الذي أقيم أمس، في الواجهة البحرية لبيروت، بقي اسم سمير جعجع، معلّقاً على الكرسي الذي كان مخصّصاً إليه، من دون أن يحضر صاحبه. والسبب أنه أراد أن يكون هو «الخبر».
وبالفعل، نقلت غالبية الوسائل الإعلامية صورة الكرسي الفارغ، بالتزامن مع إشارة مصادر قواتية إلى «حرد» زعيمهم، وتوجيهه رسالة قاسية إلى المنظّمين، أي رئيس الجمهورية جوزاف عون. غير أنّ مصادر مقرّبة من عون، اعتبرت أنّ عدم حضور جعجع، «دليل على نيّته إثارة بلبلة وإشعال الساحة السياسية، عبر اقتناصه الفرص لمهاجمة الرئيس، من دون أن يكون البابا في صلب اهتماماته أبداً».
في المقابل، حضر كل قادة الأحزاب المسيحية؛ من النوّاب جبران باسيل وسامي الجميل إلى النائب السابق سليمان فرنجية، الذي علّق عند سؤاله عن عدم دعوته، كما جعجع، إلى قصر بعبدا، بالقول: «نحن لا نواب ولا وزراء، واليوم دعينا مثل الشعب». ك
ذلك، حضر رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام، إضافةً إلى الرئيس السابق للحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ونواب ووزراء ومسؤولين رسميين حاليين وسابقين، ومسؤولين حزبيين من مختلف القوى السياسية.
في اليوم الثالث قبل مغادرته لبنان، أتى الحبر الأعظم على ذكر الاعتداءات على لبنان، ولو من دون أن يحدّد هوّية المعتدي. فاكتفى بتوجيه «نداء من القلب لتتوقّف الهجمات والأعمال العدائية». وعلّق بالقول: «لا يظنّ أحد بعد الآن أنّ القتال المسلّح يجلب أي فائدة. فالأسلحة تقتل، أمّا التفاوض والوساطة والحوار فتبني». كذلك وجّه تحية إلى جميع مناطق لبنان التي لم يتمكّن من زيارتها: طرابلس والشمال والبقاع، والجنوب «الذي يعيش بصورة خاصة حالاً من الصراع وعدم الاستقرار»، مضيفاً: «أعانق الجميع وأرسل إلى الجميع أمانيّ بالسلام».
وكان البابا قد بدأ نهاره صباحاً بزيارة دير راهبات الصليب في بقنايا، ومن ثمّ قام بعدها بصلاة صامتة في مرفأ بيروت بحضور أهالي ضحايا انفجار الرابع من آب، وصافح الأهالي واستمع إليهم.
هكذا، ختم الحبر الأعظم زيارته إلى لبنان، حيث شدّد منذ ساعة وصوله على ضرورة إحلال السلام والعدل، محمّلاً السلطتين الدينية والدنيوية مسؤولية حماية كرامة اللبنانيين وبقائهم في أرضهم.
لكن بعيداً عن التوقّعات بأن تكون زيارته نقطة تحوّل في المشهد اللبناني، أبدت مصادر وزارية ملاحظتين: الأولى تتعلّق بـ«الرسالة التي أراد عون إيصالها في خطابه، حين تحدّث عن بقاء لبنان مساحة اللقاء الوحيدة في كل منطقتنا، حيث يمكن تلاقي كل أبناء إبراهيم بكل معتقداتهم ومقدّساتهم ومشتركاتهم، أي إعادة دعوة العدو الإسرائيلي إلى مفاوضات السلام من دون أن يأتي على ذكر الاعتداءات الإسرائيلية ولو لمرة واحدة». والثانية «تركيز البابا على أنّ الشرق الأوسط يحتاج إلى مقاربات جديدة من أجل تخطّي الانقسامات وفتح صفحة جديدة باسم السلام».
واستنتجت هذه المصادر من ذلك أنّ «التركيز اليوم وكل الضغط الدولي يقتصران على مفاوضات السلام، وليس على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي أو وقف الاعتداءات على لبنان».
أمّا على الصعيد الروحي المتعلّق بالكنيسة والوجود المسيحي، فأفادت مصادر كنسية أنّ «البابا وضع في أثناء لقائه مع البطاركة والمطارنة والرهبان والكهنة خارطة طريق واضحة للعمل ضمنها، والتي ترتكز على ضرورة إجراء إصلاحات جذرية داخل المؤسسات الدينية، وأوّلها التخلّص من مظاهر البذخ والتركيز على الصلاة ومساعدة المحتاجين، ولا سيّما أبناء الطائفة المسيحية الذين يعانون اقتصاديا واجتماعياً.
وباتوا يختارون الهجرة لبناء عائلة في الخارج على التمسّك بأرضهم ووجودهم في هذا الشرق». وفقاً للمصدر الكنسي، فإنّ «الحبر الأعظم أوضح لهم أنه يأتي إلى لبنان لحثّ مسيحيّي الشرق على التمسّك بهوّيتهم المشرقية والحفاظ عليها بدل مواصلة السعي لأن يكونوا جزءاً من الغرب.
لذا، تقع المسؤولية الأكبر عليهم في وضع استراتيجية حقيقية لتشجيع المسيحيين على البقاء في أرضهم، وهو ما يتطلّب تحفيزات مدرسية وصحية واقتصادية وتسهيلات للشباب الراغب بالزواج ومَن يفتّش عن فرص عمل، خلافاً للطريقة التي تعمل بها بعض الإرساليات اليوم عبر تشجيعها أبناءها على الهجرة والدراسة والعمل في الخارج».
بذلك، دقّ بابا روما ناقوس الخطر ووضع الكنيسة الكاثوليكية أمام امتحان مفصلي. فهل تستجيب إلى التغيير الذي طالبها به أو تستمرّ بالتفرّج على تضاؤل الحضور المسيحي في لبنان؟