إبراهيم ناصر الدين (الديار)
عشية زيارة الرئيس جوزاف عون إلى سلطنة عمان اليوم، في إطار سعيه للاستفادة من دورها كوسيط موثوق في المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران، حيث يسعى إلى استكشاف إمكانية اعتمادها كقناة خلفية لإيجاد ثغرة يمكن النفاذ منها لاستعادة الاستقرار إلى البلاد عبر استخدام قوتها الناعمة مع الأطراف المؤثرة على الساحة اللبنانية، تتزاحم الأفكار الدبلوماسية التي تحاول الاستفادة من تراجع التهويل بالتصعيد العسكري، بعد خطوة "شراء الوقت" الجديدة بتعيين ممثلين مدنيين في لجنة "الميكانيزم" والتي قد لا تدوم طويلًا إذا ما قررت "إسرائيل" إطلاق موجة جديدة من الضغوط للحصول على تنازلات لبنانية اقتربت من الوصول إلى "القاع". وفي هذا السياق، عادت إلى التداول في "الكواليس" مجدّدًا فكرة "تجميد" سلاح حزب الله بدل نزعه، وهي فكرة مصرية ولدت من "رحم" التسوية المفترضة في غزّة، ويفترض ان يعاد تفعيلها بايفاد مبعوث جديد قريبًا إلى بيروت لم تحدد هويته بعد، في ما بدات هذه الفكرة تجد من يتلقفها في واشنطن ويبدي اهتماما بمناقشتها، في ما ما تسعى "لوبيات" "إسرائيلية"، وأخرى لبنانية معادية للمقاومة على زرع الالغام في طريقها في محاولة لاجهاضها قبل أن تولد.
هل تنضج أفكار براك؟
هذه المعطيات، تشكّل خلاصة دبلوماسي غربي، لفت امام زواره إلى أن المبعوث الأميركي توم براك لا يطلق تصريحاته جزافا، وبعيدًا عن نظرياته حول القبائل التي تعيش في المنطقة، وتمنياته بضم لبنان إلى سورية، إلا أن كلامه حول ملف سلاح حزب الله لا يبدو مجرد ثرثرة في غير مكانها، فتكرار القول إن نزع سلاح حزب الله أمر غير واقعي، والافضل تحييده، أي ضمان عدم استعماله، نظرية بدأت تجد من يسوق لها في محيط الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض، وان كانت الفكرة لم تنضج بعد. لكن براك يعد أحد المقربين من الرئيس الأميركي، وهو أحد المنظرين للفكرة كحل واقعي طويل الامد للتخلص من سلاح حزب الله، وهو خاض "كباشا" ساخنا مع أعضاء في الكونغرس من المناصرين "ل"إسرائيل"، وفي مقدمهم السيناتور لندسي غراهام الذي يخوض معركة مفتوحة، مع أعضاء آخرين من الحزب الجمهوري، لمنع تحول تلك الأفكار إلى قناعة لدى الرئيس دونالد ترامب.
محطة مهمّة واستثنائية
وتعتقد أوساط سياسية بارزة، ان القمة الأميركية - "الإسرائيلية" نهاية الشهر الجاري، محطة مهمّة واستثنائية لمعرفة مدى نضج التسويات المتعلّقة بالساحة اللبنانية، وبينما تحتلّ المرحلة الثانية من خطة غزّة الاولوية، وكذلك الملف السوري، في محادثات الرئيس ترامب مع نتانياهو في البيت الأبيض، إلا أن الحراك السياسي والدبلوماسي ـ والتصعيد "الإسرائيلي" على الجبهة اللبنانية، اعاد الملف اللبناني إلى واجهة الاهتمام، في ظل قلق جدي في واشنطن من محاولات نتانياهو لتفجير الأوضاع، واشعال المنطقة، كمقدمة لنسف التفاهمات حول غزّة والتي قبلها على "مضض" ويحاول التملص منها.
موقف ترامب
وتبدو الفرصة مواتية لمحاولة التأثير على الرئيس الأميركي مع اقتراب موعد الانتخابات النصفية، فالانقسام العمودي داخل معسكر الجمهوريين تجاه الدعم المفتوح "لاسرائيل" وازدياد الانتقادات ضدّها من قبل مجموعة"أميركا أولا"، واتهامها بأنها تورط الولايات المتحدة في حروب وصراعات هي بغنى عنها، تجعل من ترامب شديد الحساسية من اشتعال حرب جديدة في المنطقة، كونه يسعى إلى توسيع تمثيل مجموعة "أميركا أولا" داخل الكونغرس، ولا يريد ان يدخل معها بصدام يقلل حظوظها لأسباب خارجية حتّى لو كانت "إسرائيل".
مباحثات أميركية - "إسرائيلية" حول لبنان
وفي هذا السياق، يزور السفير الأميركي في الأمم المتحدة مارك والتز "إسرائيل" وجال بالامس على الحدود اللبنانية، يرافقه السفير "الإسرائيلي" في المنظمة الدولية داني دانون الذي أكد أن نظيره الأميركي جاء للبحث بشكل رئيسي بالملف اللبناني، ووفق الاعلام ال"إسرائيلي"، ابلغ والتز الإسرائيليين ان واشنطن ترغب في عدم التصعيد على أي جبهة في المنطقة.
توقيت الحراك الدبلوماسي؟
ولان الرئيس ترامب مقتنع انه حان الوقت للاستفادة من نتائج الحروب سياسيًّا في المنطقة بعدما انخرطت فيها واشنطن على نحو مباشر، ولا داع لاستئناف القتال على أي جبهة لانتفاء الغرض منها في ظل قناعة ان أعداء "إسرائيل" في حالة من الضعف، تتحرك الدبلوماسية المصرية بالتنسيق مع السعودية وقطر، وكذلك باريس، بهدف تجنيب لبنان حربًا "إسرائيلية" جديدة. وفي هذا السياق، تتلاقى الأفكار المصرية التي تتحدث عن فكرة "تجميد" السلاح مع القناعة القطرية بصوابية هذا الحل الذي تحاول ان تعممه في قطاع غزّة مع حركة حماس، في ما لا يزال الموقف السعودي متحفظا، وليس معارضا بالمطلق، بينما لا تزال فرنسا غير حاسمة في موقفها، فهي تعتقد ان الفرصة المتاحة اليوم قد لا تتكرّر للتخلص من سلاح حزب الله، لكنّها لن تقف في وجه أي تفاهم يمكن أن يفضي إلى إخراج السلاح من الخدمة لمدة طويلة، إذا كان نزعه مستحيلا راهنا!.