روجيه ابو فاضل (صحيفة الديار)
يتناول هذا التحقيق ملفاً قضائياً بالغ الخطورة، يتعلّق بتجارة وتداول مواد طبية وحقن تجميلية (بوتوكس وفيلر) غير مرخّصة ومجهولة المصدر، جرى إدخالها إلى السوق اللبنانية وتوزيعها خارج الأطر القانونية والطبية، ما شكّل تهديداً مباشراً لصحة المواطنين وسلامتهم. القضية لا تقتصر على مخالفة إدارية أو شبهة تقنية، بل تكشف شبكة ممارسات غير مشروعة، تتقاطع فيها تجارة المواد الطبية، والتحويلات المالية غير النظامية، مع شبهات تهرب ضريبي وحيازة أسلحة حربية.
وبنتيجة متابعة أمنية دقيقة، وبتوجيهات المدير العام لجهاز أمن الدولة اللواء إدغار لوندس، جرى تفكيك خيوط هذا الملف تدريجياً، وصولاً إلى توقيف عدد من المعنيين والتحقيق معهم، وذلك بإشارة مباشرة من النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضي سامي صادر، الذي أعطى تعليماته الواضحة بوجوب الملاحقة والتوسّع في التحقيق.
بداية الوقائع انطلقت من إفادة المدعو (ع. ك.)، الذي أقرّ باستحصالِه على حقن ومواد طبية من عدة أشخاص، أبرزهم شخص يُعرف باللقب «ح.»، يتم التواصل معه عبر أرقام هاتفية مختلفة، وتحويل الأموال إليه بواسطة شركة Wish Money. وأفاد بأن تسليم البضائع كان يتم عبر عمّال توصيل في نقاط محددة، بينها محيط السفارة الكويتية وكنيسة مار مخايل. كما أشار إلى تعامله مع المدعو (ب. م.) الملقّب «أبو آ.»، الذي يدّعي امتلاك شركة أدوية، من دون أن يكون بحوزته أي مستند رسمي يثبت شرعية المواد التي يتم تداولها.
وفي ضوء هذه الإفادات، انتقلت دورية من مكتب أمن الدولة إلى محلة المطار – محيط مطعم أغادير، حيث جرى تفتيش منزل المدعو (م. ح.)، المقيم مع ذويه، في حضور المختار المختص. وخلال التفتيش، ضُبطت كميات من المستحضرات التجميلية، وعلب بوتوكس وفيلر من علامات متعددة، إضافة إلى أسلحة حربية شملت بندقيتي كلاشنكوف، ومسدساً حربياً، وبندقية صيد، مع مخازن وذخائر، فضلاً عن ملصقات خاصة بالمستحضرات الطبية.
وخلال التحقيق، أفاد المدعو (أ. ح.)، والد (م. ح.)، بأن معظم المضبوطات تعود لابنه، مؤكداً أن المستحضرات التجميلية تخصّه، وأنه يملك مركز تجميل في محلة المريجة تحت اسم pur28، مرخّص باسم طبيب مختص في أمراض الأنف والأذن والحنجرة. كما أقرّ بأن الأسلحة المضبوطة هي أيضاً بحوزة ابنه، نافياً علمه بمصدرها أو بكيفية إدخالها إلى المنزل، ومشيراً إلى أن ابنه لم يحضر رغم محاولات الاتصال به.
وبعد اطلاع القاضي صادر على مجريات التحقيق، أعطى إشارته بتوقيف المدعو (أ.ح.)، وضبط المستحضرات الطبية وحقن البوتوكس والفيلر، والتوسّع في التحقيق، إضافة إلى تفتيش مركز pur28 في المريجة. وعلى الفور، انتقلت دورية من أمن الدولة إلى المركز المذكور، حيث لم يُعثر على مواد بوتوكس أو فيلر، إلا أنه جرى ضبط سجلين، أحدهما للمواعيد والآخر للقبض، إلى جانب أوراق ومستندات أخرى، تم التحفّظ عنها بإشارة قضائية.
وفي سياق المتابعة، أُعيد الاستماع إلى الموقوف (أ. ح.)، الذي نفى علمه بتجارة ابنه بحقن الفيلر والبوتوكس، مؤكداً أن نشاطه يقتصر على بيع مستحضرات تجميلية فقط. غير أن التدقيق في هاتفه الخلوي أظهر وجود مقاطع مصوّرة ومراسلات تتعلق بشحنات بضائع، حاول تبريرها بأنها تخص ملابس مستوردة من الصين، إضافة إلى حوالات مالية متكررة مع عدة أشخاص ، بينهم المدعو (ح. ن.)، الذي وصفه بتاجر أعشاب.
وبناءً على الوقائع والمعطيات المتوافرة، ادعى القاضي صادر على كل من يثبت تورطه، بجرائم إيذاء الناس، والاستحصال على مواد طبية غير صالحة، ومخالفة القوانين المرعية الإجراء، إضافة إلى شبهات تهرب ضريبي. كما أعطى توجيهاته بملاحقة جميع المتورطين، وتسطير بلاغات بحث وتحرٍّ ضد الفارين، والتوسّع في التحقيق لكشف كامل الشبكة، ومصادر التمويل، ومسارات إدخال هذه المواد إلى السوق اللبنانية.
ويؤكد هذا الملف، بما يحمله من وقائع خطِرة، أن القضية لا تُختصر بعملية توقيف أو ضبط مواد، بل تتجاوز ذلك إلى مسار قضائي وأمني يهدف إلى حماية الصحة العامة، ومنع تحويل القطاع الطبي والتجميلي إلى ساحة مفتوحة للغش والتلاعب.