غسان ريفي (سفير الشمال)
في الوقت الذي يُفترض فيه أن تشكّل الأعياد مساحة لالتقاط الأنفاس في بلد أنهكته الأزمات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، تخرج أصوات سياسية لتستثمر في الخوف، وتعيد ضخّ مناخات التهويل بالحرب، وصولاً إلى التلويح بمواعيد مزعومة لعدوان إسرائيلي وشيك على لبنان، وكأنه لا يكفي الشعب اللبناني ما يعانيه من الغطرسة الصهيونية المستمرة منذ أكثر من سنة، حتى يأتي بعض من في الداخل ليتحدث بلسان العدو ويتولى التهديد والتهويل والتخويف عنه.
هذا السلوك غير المسؤول، يُفسد فرحة الأعياد ولا يخدم مصلحة وطنية ولا يعكس حرصاً على السيادة أو على الدولة أو على المواطنين، ولا يمكن وضعه في خانة الموقف السياسي، بل يبدو في جوهره محاولة مكشوفة للضغط السياسي على الدولة من جهة، وعلى المقاومة من جهة أخرى، عبر استحضار شبح الحرب كأداة ابتزاز داخلي، ولفت نظر العدو واستدراجه الى ما يستهدف لبنان ويقتل أبناءه.
اللافت في هذا السياق، كان موقف رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون، الذي وجّه خلال جلسة مجلس الوزراء أمس انتقادا واضحا لهذه الحملات، حيث أشاد بالأجواء الإيجابية التي ترافق الأعياد، بالرغم من كل التهويل والشائعات عن اندلاع حرب قريبة، لافتا الى أن البعض حدد تاريخ هذه الحرب، وخاطب اللبنانيين بالقول: لا تدعوا أحدا يسلب منكم ما حققتم، ويجب ان تحافظوا على إيجابيكم، فيما هناك للأسف، بعض ممن يحاول نشر أجواء سلبية”.
هذا الموقف الرئاسي يعكس فهماً دقيقاً لخطورة المواقف السياسية في لحظة إقليمية حساسة، ويعيد التذكير بأن إثارة الهلع بين اللبنانيين ليست حرية رأي، بل شكل من أشكال الإضرار المتعمد بالسلم الأهلي.
لا شك في أن التجربة اللبنانية مع العدو الإسرائيلي طويلة ودامية، واللبنانيون يدركون أكثر من غيرهم أن إسرائيل لا تحتاج إلى ذرائع لتشنّ عدواناً، كما يدركون في المقابل أن للحرب أكلاف كبرى، وأن الأمور ليست بهذه البساطة في ظل المحاولات اللبنانية الرسمية لتوفير مظلة حماية للبنان وفي ظل الغموض الذي يحيط بقدرات المقاومة التي ما تزال تربك العدو وتشكل قلقا لديه ينعكس في عدد المبعوثين الذين يتوافدون الى لبنان للسؤال عن مصير هذا السلاح وعن الحدود التي بلغتها أعمال الترميم لقدرات المقاومة.
من هنا، فإن محاولات تحميل المقاومة مسؤولية حرب لم تقع، أو التلميح إلى أنها سبب الخطر الداهم، ليست سوى قلب للحقائق، وتجاهل متعمّد لطبيعة الصراع مع عدو لا يزال يحتل أرضاً لبنانية ويعتدي يومياً على السيادة الوطنية براً وبحراً وجواً.
يمكن القول، إن لبنان اليوم أحوج ما يكون في هذه الظروف إلى خطاب يطمئن الناس لا يرعبهم، يوحّد الصفوف لا يزرع الانقسام، ويعزز الثقة بعناصر القوة الوطنية، لا أن يستهدفها خدمةً لأجندات خارجية أو حسابات داخلية ضيقة.
إن التهويل بالحرب في مواسم الفرح والأعياد هو أشبه بالخيانة الوطنية، خصوصا أن العدو الإسرائيلي يوسّع من اعتداءاته ويضغط على الدولة من أجل الخضوع لشروطه التي تتلخص بالاستسلام، وبالتالي فإن من يهدد ويتوعد ويضرب المواعيد سواء عن قصد أو عن غير قصد فإنه يسيء إلى نفسه أولا كونه يضع نفسه في خدمة أهداف العدو، والى وطنه وهذا يفترض أن يضعه في موقع المساءلة القضائية!..