أوراق ثقافية

أعمال المؤتمر السابع للمعجم.. اللغة وتطبيقات الذكاء الصناعي

post-img

بموازاة اكتمال معجم الدوحة التاريخي للغة العربية، ناقش باحثون وخبراء في اللغة، مختصون في اللسانيات النظرية والتطبيقية، وفي مجالات الذكاء الصناعي، تقاطعَ اللغة مع التكنولوجيا، سعيًا إلى استكشاف أوجه التفاعل بين خصائص العربية ونماذج من هذه التقنية الحديثة، والإسهام في تمكين هذه النماذج من معالجة اللغة العربية ضمن سياقاتها التاريخية.

انطلقت أعمال المؤتمر السابع للمعجم، صباح اليوم في الدوحة، تحت عنوان "الذكاء الصناعي وخصائص اللغة العربية"، على أن تتواصل جلساته التسع حتى مساء غد بمشاركة 41 باحثًا. كان الافتتاح بجلسة خاصة عن معجم الدوحة التاريخي للغة العربية، لما يمثله من إمكانية جديدة وغير مسبوقة يمكن لتقنيات الذكاء الصذناعي الاستناد إليها، ولا سيما في ضوء ما يتيحه من تجاوز مظاهر الالتباس في النصوص التراثية.

قدّم الباحث حسن حمزة مقارنةً منهجية بين معجم الدوحة التاريخي والمعجم التاريخي للغة الفرنسية، مركّزًا على مفهوم التأريخ المعجمي وتحولاته. وبيّن أن التأريخ لم يعد مقتصرًا على تعيين زمن اللفظ، بل بات يشمل سرد الوقائع وتحليلها ضمن سياقات معرفية واجتماعية أوسع، بحيث يؤرّخ المعجم لمسارات تحول اللفظ ودلالاته. وأشار إلى أن العربية عرفت تاريخًا لغويًا طويلًا سابقًا للطباعة -التي اتخذها المعجم الفرنسي معيارًا للتأريخ- كما لفت إلى أن معجم الدوحة يتميز باستناده إلى شواهد الاستعمال الحي في النصوص، والبحث عن قرائن تاريخية دقيقة أو تقريبية لتحديد الزمن. وأضاف أن المعجم الفرنسي يقوم على توالد الكلمات بعضها من بعض من دون ترتيب زمني، بينما يعرض معجم الدوحة المفردة في زمنها وسياقها التاريخي.

يتّضح هذا المنهج في مداخلة الباحث رشيد بوحبيب، الذي أشار إلى أن قراءة المفردة ودلالاتها في سياقها الزمني تتيح "تفحّص تاريخ الإنسان والأفكار والمعتقدات". كما تمكّن المختصون من توليد معاجم مشتقة من المعجم. أعلن في هذا السياق عن صدور أول المعاجم الفرعية لمعجم الدوحة، بعنوان "معجم أعضاء الجسم مصدرًا للاشتقاق". واعتبر معجم الدوحة التاريخي "جمعًا ثانيًا للغة العربية"، لما ينجزه من استدراك للألفاظ والمعاني والأسماء، واستكمال لبناء القصائد والدواوين، ومن ذلك دواوين مهلهل بن ربيعة، وعمرو بن كلثوم، والنابغة الذبياني، وغيرهم.

من جهته، تناول الباحث عبد الكريم جبل الإضافة التي حققها معجم الدوحة في "تحرير المعنى المعجمي"، من خلال اعتماد ضوابط علمية ومنهجية دقيقة لصياغة التعريفات، تقوم على تعريف المعنى بالعبارة لا بالمفردة فقط، والابتعاد عن الغريب والمجهول من الألفاظ والمعاني، وتجنب التعميم والغموض. في السياق نفسه، عرض الباحث المصري محمد الخطيب أخلاقيات العمل المعجمي، مؤكدًا أهمية التثبت والتقصي في المصادر، ومشيرًا إلى صعوبة مرتبطة بكون العربية لغة عرفت التنقيط في عهود متأخرة، ولتشابه رسم الحروف، وهو ما جعل مقولة "كل حرف يُصحَّف يُبدّل بابًا، وكل باب يُبدّل يزوّر تاريخًا" حاضرة لدى العاملين في المعجم.

هذا الأساس اللغوي والبناء المعجمي، مع ما يسعى إليه المعجم من معالجة إشكاليات تاريخية ودلالية، وجد صداه في الجلسة الثانية من المؤتمر، التي تناولت استخدام المعجم في تطبيقات الذكاء الصناعي. التقى المتحدثون على فقر المدونة العربية على الإنترنت، وما يترتب عليه من ضعف أداء نماذج الذكاء الصناعي. واستعرض الباحث يحيى محمد الحاج دور بيانات معجم الدوحة بوصفها موردًا لتطوير هذه التطبيقات، انطلاقًا من قاعدة أن "البيانات هي الوقود الحقيقي للتقنيات الذكية"، شرط أن تكون عالية الجودة ومحترِمة لخصوصيات الثقافة العربية، وهو ما يوفره المعجم عبر تتبع التطور الدلالي للألفاظ، ومعالجة الازدواجية اللغوية، وإعداد ببليوغرافيا دقيقة لمصادر كل مرحلة، وتوثيق النصوص ضمن تسلسلها الزمني.

كما عرض الباحث محمد العبيدي واقع المحتوى الرقمي العربي الذي تهيمن عليه النصوص الترفيهية، مقابل ضعف الإنتاج العلمي، وعرض ما يؤهل معجم الدوحة تقنيًا ليدعم نماذج الذكاء الصناعي عبر التوسيم الصرفي، والتأصيل والتأثيل، والنسقية، والشمول، وبما يتيح تزويد النماذج الصناعية بخرائط دقيقة لكل مفردة تشمل معناها وسياقها، ويؤسس لبنية تحتية معرفية قادرة على تحسين فهم النصوص الدينية والتاريخية.

سوء الفهم، وضعف الأداء للذكاء الصناعي بالعربية، والذي يتسبّب به فقر المدونة العربية، تعرضه إحدى جلسات اليوم الأول، بعنوان "الخصائص اللسانية للعربية وعلاقتها بالنمذجة الآلية"، باعتبار التحليل اللساني، حجر الزاوية لبناء نماذج ذكاء صناعي قادرة على فهم الفروق الدقيقة للغة العربية ومعالجتها بفعالية. ما يتّسق مع مداخلات تحدثت عن إمكانية استخدام اللهجات المحلية في تونس، أو الأمثال الشعبية في الخليج العربي، في موارد الذكاء الصناعي.

تتواصل جلسات اليوم الثاني من المؤتمر بعناوين من بينها: "محاولات العربية في بناء النماذج اللغوية"، و"توظيف الذكاء الصناعي في تعليم اللغة العربية"، و"الترجمة إلى العربية في نماذج الذكاء الصناعي"، على أن يُختتم المؤتمر بجلسة بعنوان "السياقات الثقافية والمعرفية في نماذج الذكاء الصناعي".

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد