حمزة البشتاوي/ كاتب وإعلامي
نشر الدكتور أنيس الصايغ، في حياته الحافلة بالعطاء، الوعي الوطني والقومي والإنساني، بكل بساطة وتواضع واقتناع.
اليوم، في ذكرى رحيله 25/12/2009، نستعيد سيرته كقامة فكرية نذرت حياتها للمعرفة وفلسطين، وهو المؤمن بأن الصراع مع الكيان الصهيوني ليس عسكريًا فقط؛ بل هو أيضًا صراع رؤية وتاريخ ومفاهيم وصراع بين الحق والباطل.
كتب الدكتور أنيس الصايغ، وأسهم بشجاعته الفكرية في بناء مؤسسات بحثية كانت - ما تزال- مراجع لا غنى عنها للباحثين والمهتمين بالشأن الفلسطيني. ارتبط اسمه بمركز الأبحاث الفلسطيني و مجلة شؤون فلسطينية، فقد قاد عملًا علميًا رصينًا هدفه توثيق الرواية الفلسطينية وتفنيد الدعاية الصهيونية وتقديم المعرفة بوصفها فعل مقاومة بمواجهة الاحتلال. وكان حتى آخر يوم في حياته قابضًا على جمر ثقافة المقاومة والتحرير والقلم.
أتذكر آخر لقاء معه، في منزله؛ حين طلب مني مشاركته في إعداد وتأليف كتاب عن سيرة أدباء ومبدعين فلسطينيين نشروا إبداعهم في بيروت، وذلك لمناسبة إعلان بيروت عاصمة للثقافة العربية في العام 2009.
كان هذا التكليف منه شخصيًا موضع اعتزاز وتقدير بالنسبة إلي، على الرغم من أن الكتاب لم يبصر النور، ولكنني ما زلت أتذكر محبته وتواضعه الكبير حين طلب مني الكتابة عن سيرة أربعة شخصيات فلسطينية، وهي يحيى يخلف ومعين بسيسو ورشاد أبو شاور وفضل شرورو، على أن يتكفل هو بباقي الاسماء.
أنيس صايغ صاحب سيرة ومسيرة لا تنسى بعد أن أعطى فيها للثقافة الفلسطينية قيمة مضافة؛ من خلال تأكيده الدائم دورها وأهميتها بأن تكون في خدمة الأهداف الكبرى، وفي خدمة الناس والمقاومة خاصة، من المثقف الذي يجب أن يسكن في ضمير شعبه بدل أن يسكن في المرايا وسجون الذات.
كرس الدكتور أنيس صايغ حياته لفلسطين وقضية اللاجئين وحق العودة، والذي لا عودة عنه ولا حل من دونه، مع معرفته بأن عرب المال يتحدثون سرًا وعلانية عن حل قضية اللاجئين من خلال مشاريع التوطين والتهجير التي يجمع الفلسطينيين على رفضها من خلال التمسك بحق العودة الذي كان، وسيبقى عنوان القضية وجوهر المشروع الوطني الفلسطيني.
رحم الله الدكتور أنيس صايغ، وأبقى ذكراه رمزًا من رموز فلسطين، وهو الذي كان يطمح ككل فلسطيني لاجئ بالعودة إلى دياره، ولكنه رحل قبل أن يعود إلى طبريا، وترك الحلم ليحققه من بقي بعده.
