أوراق إعلامية

«ميتا» تحاصر الإعلام الروسي

post-img

يعدّ إعلان «ميتا» رداً مباشراً على «التدخل الأجنبي» المزعوم. ويعقب الحظر الذي سيبدأ تطبيقه تدريجاً على مستوى العالم في أيام، تتويجاً لسنوات من التوتّر بين الدول الغربية والمؤسسات الإعلامية الروسية. وأكدت «ميتا» (الشركة الأم لفايسبوك وإنستغرام وواتساب) في بيانها أنّ هذا القرار جاء نتيجة دراسة متأنية لكيفية إجراء وسائل الإعلام الحكومية الروسية «عمليات تأثير خفية على منصات التواصل الاجتماعي» للتأثير على الرأي العام لمصلحة أجندة موسكو».

لسنوات، واجهت «روسيا اليوم» انتقادات في الغرب لنشرها ما يوصف بـ «الدعاية الموالية لروسيا»، وقد تزايدت حدّتها مع دخول القوات الروسية لأوكرانيا في عام 2022. وقد أشار وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أخيراً إلى أنّ RT أصبحت أكثر من مجرد وسيلة إعلامية، واصفاً إياها بـ «الذراع الفعلية للاستخبارات الروسية». وكانت تصريحات بلينكن جزءاً من مجموعة أوسع من العقوبات التي تهدف إلى عزل وسائل الإعلام الروسية التي تسيطر عليها الدولة على مستوى العالم. ويمثل هذا الحظر تحوّلاً ملحوظاً في سياسات «ميتا» التي دائماً ما انتُقدت لسماحها لحملات التأثير الروسي بالانتشار على منصاتها.

يمكن إرجاع جذور هذه التوترات إلى الانتخابات الرئاسية الأميركية في العام 2016، عندما اتُهمت «ميتا»، ومنصات التواصل الاجتماعي عموماً، بالسماح للجهات الروسية باستخدام منصّاتها لـ «نشر المحتوى المثير للانقسام والتضليل». ووفقاً لتقارير الاستخبارات الأميركية، استغلت جهات مدعومة من الدولة الروسية وسائل التواصل الاجتماعي لاستقطاب الناخبين الأميركيين والتأثير على الرأي العام من أجل انتخاب الرئيس السابق دونالد ترامب. وفي طليعة هذه الجهود «التضليلية»، قناة RT التي دائماً ما نفت أي تورط في عمليات استخباراتية.

بعد حرب أوكرانيا، فرضت «ميتا» قيوداً على RT ووكالة «سبوتنيك» (مملوكة للدولة أيضاً) في الاتحاد الأوروبي، شملت الحدّ من قدرتهما على الإعلان وتقليل ظهور منشوراتهما. ومع ذلك، وجدت RT حلولاً بديلة لمواصلة نشر محتواها، سواءً عبر منصات أخرى أو عبر إخفاء رسائلها تحت كيانات مختلفة. وصْف واشنطن لـ RT كأداة من أدوات الاستخبارات الروسية يُبرز مدى أهمية المعلومات كسلاح في الصراعات الحديثة. علماً أنّ إعلان بلينكن عن العقوبات الجديدة تضمّن اتهامات لـ «روسيا اليوم» بالتورّط في عمليات تأثير سرية، وفي شراء الأسلحة للجيش الروسي. ووصف بلينكن أنشطة القناة بأنّها «جزء من إستراتيجية روسية أوسع نطاقاً لتقويض الديموقراطيات في جميع أنحاء العالم»، وخاصة استهداف الانتخابات. وشمل ذلك محاولات التلاعب بنتائج الانتخابات في مولدوفا، حيث اتُهمت RT بالتحريض على الاحتجاجات لعرقلة العملية السياسية.

على خطٍ موازٍ، يُنظر إلى قرار «ميتا» على أنّه محاولة لإحباط هذه الجهود، رغم أنّ التساؤلات لا تزال قائمة حول فعالية هذه الإجراءات. صحيح أنّ المنصات الرئيسية، مثل فايسبوك ويوتيوب، اتخذت خطوات للحدّ من وصول الميديا الحكومية الروسية، إلا أنّ هذه الوسائل أثبتت مرونتها. فهي تواصل التكيّف، وغالباً ما تستخدم منصات أصغر أو طرق توزيع مباشرة لإيصال رسائلها.

موقف الحكومة الأميركية من «روسيا اليوم» واضح: تراها لاعباً رئيسياً في إستراتيجية روسيا الأوسع نطاقاً لـ «التدخل في الانتخابات». وقد أشار المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية، جيمي روبين، إلى أنّ «أحد أسباب عدم دعم المجتمع الدولي لأوكرانيا في صراعها مع روسيا هو مدى وصول RT». ونقلت صحيفة «واشنطن بوست» أمس عن مسؤولين أميركيين أنّ «قدرة قناة RT على تأطير الغزو الأوكراني بطريقة تصبّ في مصلحة روسيا، قلّلت من الإدانة الدولية لأفعال موسكو». ورداً على ذلك، أشارت رئيسة تحرير RT، مارغريتا سيمونيان، على سبيل الدعابة، إلى أنّ «الأميركيين هم من يعلّمون RT كيفية العمل، وليس العكس».

على المقلب الآخر، وضعت موسكو الردّ الأميركي في إطار «حرب المعلومات»، هي التي دائماً ما رفضت الادعاءات بأنّ RT أداة استخباراتية، متهمةً واشنطن والعواصم الغربية الأخرى بالنفاق. وقد أشارت موسكو إلى إجراءات مثل تطبيق «ميتا» الانتقائي لقواعد خطاب الكراهية، مشيرة إلى أن الشركة سمحت للأوكرانيين بالدعوة إلى العنف ضد الروس على منصاتها.

في تقرير نشرته في 29 آب (أغسطس) الماضي، تحدّثت «واشنطن بوست» عن غضب السلطات الروسية «غير العادي» بسبب اعتقال مؤسس «تليغرام»، بافيل دوروف، على يد السلطات الفرنسية. وأوردت الصحيفة الأميركية أنّ «تليغرام» أكثر من مجرد تطبيق تواصل اجتماعي بالنسبة إلى موسكو. إذ يعتمد عليه الجنود والجواسيس الروس في اتصالاتهم في ساحة المعركة، بما في ذلك توجيه المدفعية وتنسيق التحرّكات وجمع المعلومات الاستخباراتية. ووصف مستشار البرلمان الروسي وكبير المسؤولين التنفيذيين السابقين في الصناعة العسكرية، أليكسي روغوزين، القضية قائلاً: «يتردّد أنّ اعتقال دوروف هو أساساً اعتقال كبير ضباط الإشارات في القوات المسلحة الروسية». وبالتالي، يشير هذا كلّه إلى أنّ الغرب بقيادة الولايات المتحدة، يضيّق الخناق على روسيا عبر التركيز على تقييد حركة بياناتها في العالم الرقمي. من جهة، تعتقد واشنطن أنّها بذلك تحمي عمليتها الانتخابية المقبلة وتمنع وصول السردية الروسية التي يتعاطف معها مؤيدو ترامب إلى الأميركيين، ومن جهة أخرى، تضرب أدوات العالم الرقمي الروسية الفاعلة مثل «تليغرام».

صحيح أنّ خطوة «ميتا» تُعد ضرورية بالنسبة إلى واشنطن، إلا أنّها تثير تساؤلات حول دور شركات السوشال ميديا في تنظيم المحتوى، كما أنّ تسليح هذه المنصات، كما حصل مع الدولار، سيضرّها حُكماً، وسيدفع بالناس حول العالم إلى منصات تعتمد على تقنية لا مركزية، مثل «بلو سكاي» وغيرها من المنصات المبنية على تقنية «بلوكتشاين».
 

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد