"طمنونا على سماحة السيد"، عبارة كان يردّدها أحد الجرحى المصابين الفاقد لعينيه، خلال نقله إلى مستشفى البقاع الغربي في بلدة سحمر. هذه هي الروح الثورية المتقدة حبًا وعشقًا لنهج الحق، لطريق المقاومة المرصّع بالمواقف التي تنحني لها الرؤوس إجلالاً.
في البقاع الغربي، تنوّعت صور التضامن. نائب بقاعي يُسارع للتبرع بدمه لإنقاذ أبناء وطنه، أما المشاهد التي تسجل للتاريخ فوقفة ذلك الأب الذي خرج من حيث ابنه المسجى في غرف إحدى المستشفيات، خرج وهو يزف بصوت عال متسم برباطة الجأش :" أبارك لكم شهادة ابننا عباس، افتخروا بعباس الذي أعزنا الله بشهادته"، هكذا كان موقف والد الشهيد على طريق القدس عباس بلال منعم، مختار بلدة سحمر بلال منعم والذي يستقبل الوافدين والبسمة تعلو شفاهه، فولده قضى على أشرف خط وطريق، وعباسه واسى الإمام الحسين (ع)، وأبا الفضل العباس (ع). هذه عيّنة من أهل المقاومة، من الجمهور الذي لطالما كان خير سند لمقاومته على مدى كل هذه السنين، مضحيًا ملبيًا داعمًا، بل ومقدامًا.
وما إن بدأ العدوان الصهيوني الغادر على شعبنا ومقاومتنا من خلال تفجير أجهزة الاتصال (البايجر)، حتى انطلقت سيارات الإسعاف في كل مكان من بلدات البقاع الغربي لنقل الجرحى والمصابين، ومع ارتفاع الأعداد ووصولها إلى مستشفيات المنطقة أُعلن عن طلب التبرع بالدم تحسبًا لأي حاجة له خلال إجراء العمليات الجراحية، حتى غصّت باحات المستشفيات بمئات الشبان، من مستشفى البقاع الغربي في سحمر حتى مستشفى راشيا الحكومي، وصولاً إلى مستشفى فرحات في جب جنين ومنها إلى مستشفى البقاع في شتورة. المشهد واحد، تهافت من أجل التبرع بالدم، وهذا الأمر إن دل على شيء فهو يدل على مستوى التضامن والشعور بالمسؤولية، والأهم الحرص على سلامة كل من أصيب.
عضو تكتل لبنان القوي النائب عن البقاع الغربي شربل مارون سارع للتبرع بالدم في أحد المراكز الصحية، وفي تصريح خاص لموقع "العهد" قال مارون:" إن الاعتداء الكبير الذي حصل هو اعتداء على كل الشعب اللبناني من قبل العدو "الإسرائيلي"، واليوم جميعًا يجب أن نكون يدًا واحدة لأن المخاطر المتأتية عن هذا العدو لم تنته، وهو عدو ليس ضد لبنان فقط بل عدو ضد الإنسانية في العالم، فما نراه من إجرام وتهديم للمباني على الأطفال في غزة وأمام مرأى كل العالم، دفعنا إلى السؤال عن حقوق الإنسان وشرعة حقوق الإنسان، وهذا الظلم الكبير المحيط بالعالم بسبب عدو الإنسانية العدو "الإسرائيلي"، كل هذا يحفزنا بأن نكون يدًا واحدة وموقفًا واحدًا أمام آلة القتل الكبيرة. نترحم على الشهداء وندعو للمصابين بالشفاء، وندعو الله أن يحمي لبنان".
مفتي زحلة والبقاع الدكتور علي الغزاوي ومن اللحظات الأولى للعدوان طلب من الجميع المسارعة للتبرع بالدم عبر رسالة عاجلة جاء فيها :"على إثر الاستهداف الآثم والغاشم السيبراني وجّه سماحة مفتي زحلة والبقاع الدكتور الشيخ علي محمد الغزاوي نداء إنسانيًا لتقديم ما تحتاجه المستشفيات من الدم للجرحى والمصابين (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه).
وكان نائب الأمين العام لحركة النضال اللبناني العربي قد أدان في بيان له :"العدوان "الإسرائيلي" الغادر والهمجي على لبنان والمقاومة، والذي تخطّى فيه العدو كعادته كل المعايير الإنسانية".
وأضاف الداوود:"إننا إذ نتمنّى الشفاء العاجل للجرحى، نتوجّه لأهالي وعوائل الشهداء بأحر التعازي ونؤكد تضامننا الكامل ووقوفنا بجانب المقاومة".
وخلال جولاتنا في مستشفيات المنطقة لم نجد من أهل المقاومة إلا التصبر والاحتساب، والتأكيد والثبات على نهج المقاومة، ومساندة المظلومين في غزة، وحماية لبنان وشعبه".
وقد بذلت الأطقم الطبية والتمريضية والإدارية أقصى جهودها في كل المستشفيات التي وصلت إليها الإصابات والتي كان بينها مدنيون أيضًا، فعملوا حتى ساعات متأخرة من الليل بكل إخلاص، وهدفهم التخفيف من الأوجاع والآلام، بلسموا فيها الجراح، كما يقول مدير مستشفى البقاع الغربي في سحمر علي حسن.
الكاتب والصحافي من منطقة راشيا الوادي مفيد سرحال قال في تصريح خاص للموقع:" لا شك أن حزب الله سيرد بالشكل الذي سيتناسب مع حجم هذه الجريمة الآثمة والعدوان الغادر، ويمتلك القدرة اللازمة لردع بنيامين نتنياهو والمجانين الذين يحكمون الكيان العبري الزائل، ولكن أعظم الردود والذي يوازي بأهميته الرد العسكري هو الوحدة الوطنية التي تجلت بأجمل صورها وتجلياتها، حيث سارع الأهالي من كل ألوان الطيف الحزبي والسياسي والطائفي في راشيا والبقاع الغربي إلى التبرع بالدم في المشافي والمستوصفات الأهلية، وهذا إن دل على شيء فعلى أصالة اللبنانيين واستشعارهم للخطر المتأتي عن العدو الصهيوني المجرم القاتل والبربري في أعماله.