من ضمن تلك القنوات LBCI التي فتحت هواءها متخلّيةً حتّى عن نشرة أخبارها المسائية قبل أن تكمل برمجتها العادية ليلًا، «والجديد»، و«المنار»، وOTV. ولم يستمرّ «تلفزيون لبنان» في التغطية المباشرة طويلًا، لكنّه عاد وأكمل خلال نشرة أخباره، فيما استمرت mtv في التغطية حتّى بداية نشرة أخبارها قبل أن تكمل برمجتها العادية بعدها. أمّا NBN فاكتفت بالأخبار العاجلة إلى حين موعد نشرتها ـــ المبكّرة نسبيًّا مقارنةً بنظيراتها ــ والبرامج السياسية التي تلتها. وكان لافتًا أنّ هذه القنوات «اتّحدت»، في مشهد نادر في لبنان، واتّفقت كلّها على وصف ما حصل بالجريمة غير المسبوقة لا في بشاعتها فقط، بل في نوعيّتها، ولم يتورّع أيّ منها عن توجيه أصابع الاتّهام إلى كيان العدوّ.
إذا كان المشهد الإعلامي اللبناني «طبيعيًّا» بمعنى تناسبه مع حجم الحدث من دون انحراف إلى مواضيع أخرى، فإنّ وسائل إعلام غربية وعربية أخذت على عاتقها إكمال حفلة التهويل اللامتناهية التي تلاحق اللبنانيّين يوميًّا منذ أحد عشر شهرًا، خدمةً لحرب العدوّ النفسية. وراحت هذه المحطات، بما فيها «الجزيرة»، تنقل اقتباسات إسرائيلية عن مصادر مثل «أكسيوس» و«رويترز» وحتّى من داخل الكيان، مثل «القناة 14» التي زعمت أنّ القرار اتُّخذ لدى العدوّ لنقل الثقل العسكري من غزّة إلى جبهة شمال فلسطين المحتلّة. وتكفّلت قناتَا «العربية» و«الحدث» التابعة لها بتضخيم هذا التهويل، ووصلتا حدّ الادّعاء بأنّ الكيان يتحضّر لتصعيد كبير مع لبنان في الساعات المقبلة، لكنّهما انهمكتا في المقابل في تحليل كيفيّة تفخيخ الأجهزة اللاسلكية على هذا النطاق في ما وصفتاه «حدثًا أمنيًا غير مسبوق ليس في لبنان فقط بل على صعيد العالم».
من جهته، انكبّ تركيز الإعلام الغربي على تبرئة الولايات المتّحدة، وخصوصًا بعدما أصدرت خارجيّتها بيانًا تنصّلت فيه من علمها المسبق بالعدوان الإسرائيلي، وكانت هناك محاولة لإظهار أنّ «حكومة نتنياهو المتطرّفة تصرّفت من تلقاء نفسها من دون الرجوع إلى أحد»، رغم الشكّ الذي يعتري ادّعاء مماثلًا في تنفيذ العدوّ هجومًا بهذا الحجم من دون ضوء أخضر أميركي. ومن بين هذه القنوات CNN وFrance24 وBBC التي استضافت بدورها مكرم رباح للتحليل في حيثيّات الهجوم!
على منصّات التواصل الاجتماعي، تكرّرت «خَصلة» نشر الصوَر والمعلومات من دون أيّ مسؤولية أو اعتبار لمضامينها، رغم أنّ الحدث هذه المرّة يتكلّم عن نفسه في عدم جواز النشر المتفلّت من أيّ قيود، ما استدعى الناشطين وبعض الصفحات إلى التحذير من تصرّف مماثل ومن تداعياته، واعتباره مساعدةً للعدوّ في حربه على اللبنانيّين. واستهجن عدد كبير من اللبنانيّين العدوان الذي اعتبروه شيطانيًّا بمجرّد التفكير بالقيام به بهذه الطريقة، وشبّهه كثيرون بمسلسل Black Mirror الشهير، فيما أشار بعضهم إلى أنّ المطابخ التي أنتجت هذا المسلسل هي ذاتها التي تفكّر في ارتكاب أمور مماثلة في الحياة الحقيقية.