يشير المخرج والفنّان البصري اللبناني أديب فرحات إلى قصة الطفل أحمد، في معرضه الذي افتُتح أخيرًا في «ملتقى السفير» تحت عنوان «قصص من الجنوب».
يؤكّد فرحات أنّ «أحمد لم يكن الضحيّة الأولى للقنابل العنقوديّة التي كانت منتشرة بكثرة في ذلك الوقت. قبله، استشهد بلال حسن زهري من مدينة النبطية أيضًا، وأُصيب معه شقيقه علي وأبناء عمّه عباس وقاسم محمد زهري. ثمّ استشهد الطفل أيمن حسين قبيسي والطفل حسام لطفي قبيسي، ومعظم القنابل التي أدّت إلى استشهاد الأطفال كانت على شكل ألعاب». كمعظم أهالي الجنوب، لم يهزم العدوان الصهيوني عائلة الطفل أحمد، فبعد الفاجعة التي أصابتهم، «تولّت العائلة إطلاق حملات توعوية حول مخاطر هذه الأجسام، ولا سيما في المدارس لتحذير الأطفال. وأطلقت العائلة على حملتها اسم «ما تنسوا كيف استشهد أحمد».
تجتمع قصّة الطفل الشهيد مع قصص شهداء آخرين ومقاتلين ومناضلين وصامدين من الجنوب. منذ خمس سنوات، يعمل الجنوبي فرحات على أرشفة تاريخ الاحتلال في جنوب لبنان، وخصوصًا في الفترة الممتدة بين عامَي 1978 و 2000. وقرّر مشاركتنا ثمرة جهوده، عبر عرضه لمواد موثّقة، تتعلق بقصص منسيّة من الجنوب المحتل، وتقديمه تجربة سمعيّة ــ بصريّة مبنيّة على سلسلة من القصص التي تتمحور حول الاحتلال الصهيوني لجنوب لبنان.
من بين 5000 قصة عاشها أهل الجنوب ووثقها فرحات، يشاركنا 23 قصة للدلالة على 23 سنة من الاحتلال الصهيوني للجنوب. بعض هذه القصص يأتي بشكل سمعي، يستمع إليها الحضور عبر هواتفه بعد مسح رمز الاستجابة السريع. تسجيلات لأصوات مجهولة الهويّة، لا تفصح عن أسمائها، وقد تسقط الأسماء أمام ما ترويه تلك الأصوات. امرأة تروي قصة تهديد الجندي الإسرائيلي لها في المعتقل، إذ وضعها أمام خيارين، إمّا الاعتراف بما يريد سماعه أو الاغتصاب. رجلٌ يسترجع طفولته، عندما أصيبت يده بشظيّة إسرائيلية أثناء وجوده في المدرسة، وهو يتابع دروس حصّة التربية المدنيّة. رجلٌ آخر يسترجع طفولته، ولحظة اعتقال قوّات الاحتلال الصهيوني لوالده، ومقاومة والدته الجنوبيّة للاحتلال. رجلٌ يشاركنا تفاصيل تهجير أهالي قرية «سجد» من منازلهم. قصصٌ أُخرى ترويها أصوات مختلفة، وتختتم بتسجيل لامرأة، تسترجع لحظات تحرير قرية الخيام الحدوديّة من الاحتلال الصهيوني.
إلى جانب القصص الجنوبيّة المسموعة، روايات وأخبار أُخرى مكتوبة على أوراقٍ حمراء، يُعرِّفنا فرحات عبرها إلى أحداث وذكريات من زمن الاحتلال، مثل جريدة «نداء الجنوب» التي كان ينشرها «الحزب الشيوعي» سرًّا، والظروف القاسية والتعذيب الذي مارسه الجنود الصهاينة في معتقلَي «أنصار» و«الخيام». كما يشاركنا تفاصيل استشهاد المقاوم مصطفى حيدر ووالدته عزيزة حيدر من قرية «عربصاليم». ويُخبرنا عن سياسة «القبضة الحديدية» التي مارسها الاحتلال على أهالي المناطق الجنوبيّة. يفتخر فرحات بيوم 25 أيّار (مايو)، يوم تحرير الجنوب «عام 2000، اقتحم الأهالي معتقل الخيام وفتحوا أبوابه وحرّروا الأسرى. تقدّم الأهالي والمقاومون إلى قرى وبلدات البقاع الغربي وحاصبيا والقرى المجاورة. في ليل اليوم نفسه، انسحب آخر الجنود الإسرائيليين من الجنوب والبقاع الغربي. هكذا تُوِّج يوم 25 عيدًا للمقاومة والتحرير في لبنان».
في المعرض، أغراض ووثائق جمعها فرحات، يستعرضها إلى جانب القصص. ورقة نعوة مصطفى نعيم حيدر، ورسالة كتبها أحد المعتقلين إلى ذويه، وعدد من جريدة «السفير» التي زفّت خبر تحرير الجنوب: «الجنوب يحرر الوطن»، ولوحة تطريزيّة من معتقل الخيام تفتخر بالمقاومين «كلّ الورود تعطي للكون عطرًا وشذى، وعطاء وردكم نور للقلب وهدى».
قصص ووثائق، يُعيد فرحات عبرها الحياة إلى شهداء الجنوب. يُكلّل أهل الجنوب ومقاوميه، مذكّرًا إيانا بأنّ حربنا مع العدو ليست وليدة الآن، بل هي معركة وجود ذات تاريخ طويل، ولن تنتهي إلّا بانتهائه.