التكريتي، الذي يُعدّ أحد الناشطين البارزين في حقوق الإنسان، كان في ذلك الوقت منهمكًا في مفاوضات للإفراج عن رهينة محتجزة على الحدود بين ليبيا وتشاد، كما كان من المقرر أن يلتقي زعيمَ حزب العمال البريطاني السابق جيريمي كوربين. غير أن ما لم يكن في جدول أعماله هو اختراق هاتفه الذكي باستخدام هذا البرنامج الخبيث، بحسب ما ينقل موقع "ذي إنترسبت".
بعد مرور أربع سنوات على هذه الحادثة، يعود التكريتي، وهو مواطن بريطاني من أصل عراقي، إلى الواجهة بتقديم بلاغ رسمي إلى شرطة العاصمة البريطانية، يتهم فيه شركة NSO بالتورط في التجسس على هاتفه بطريقة غير قانونية. ولم يكن التكريتي وحده في هذه الدعوى، فقد انضم إليه ثلاثة ناشطين آخرين في مجال حقوق الإنسان، تعرضت هواتفهم للاختراق هم أيضًا، وهم: الصحافي البريطاني ــ الفلسطيني عزام التميمي، ؛ ورئيس مجلس أمناء مسجد فينسبري بارك في لندن محمد كوزبار، والناشط الحقوقي البحريني يوسف الجمري.
شكاوى واتهامات
تستند الشكوى المقدمة إلى شرطة لندن إلى أدلة جمعتها شبكة Global Legal Action Network (GLAN)، وهي منظمة غير حكومية تعمل على مكافحة انتهاكات حقوق الإنسان. وينقل موقع "ذي انترسبت" عن المحامية ليانا برنارد، التي تولت إعداد الشكوى: "هذه القضية جادة للغاية، والمملكة المتحدة يجب ألا تقف مكتوفة الأيدي تجاه استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان على أراضيها". ويبدو أن بلاغ التكريتي وزملائه قد وضع الكرة الآن في ملعب الشرطة البريطانية التي تمتلك الصلاحية في اتخاذ قرار بفتح تحقيق رسمي في هذه القضية الحساسة.
بالرغم من الاتهامات المتزايدة، تلتزم شركة NSO بموقفها الرافض لهذه المزاعم. وقال نائب رئيس الاتصالات العالمية في الشركة جيل لانير، إن NSO "تلتزم بجميع القوانين واللوائح" وإن برامجها "تباع فقط لوكالات الاستخبارات وإنفاذ القانون المعتمدة". وأكد أن "بيغاسوس يلعب دورًا مهمًا في مكافحة الإرهاب وتفكيك الشبكات الإجرامية، ويساهم في إنقاذ آلاف الأرواح".
لكن الولايات المتحدة زعمت أنها اتخذت موقفًا صارمًا ضد الشركة. ففي العام 2021، أدرجت واشنطن NSO في القائمة السوداء، متهمة إياها بالتورط في تمكين حكومات استبدادية من انتهاك حقوق الإنسان من خلال استخدام برمجياتها للتجسس على المعارضين. وعلى الرغم من هذه الخطوة، لم تُفرض عقوبات مماثلة على NSO في المملكة المتحدة، بالرغم من توجيه بعض أعضاء البرلمان البريطاني دعوات للتحرك في هذا الشأن.
هجمات على أهداف حكومية برعاية NSO
الأمر الذي زاد من خطورة القضية، بحسب "ذي إنترسبت" هو التقارير التي تفيد بأن الحكومة البريطانية نفسها قد تعرضت لهجمات ببرنامج "بيغاسوس". ففي العام 2022، كشف باحثون في مختبر Citizen Lab المتخصص في الأمن السيبراني، أن مكتب رئيس الوزراء وقتها، بوريس جونسون، ووزارة الخارجية البريطانية قد استُهدفا على الأرجح من قبل جهات استخدمت هذا البرنامج الخبيث، ويُعتقد أن دولة الإمارات كانت الجهة المنفذة للهجمات.
مع هذه الهجمات، لم تتخذ السلطات البريطانية حتى الآن خطوات فعلية لمعاقبة الشركة، بينما حققت دول أخرى في اتهامات مشابهة. فقد فتحت النيابات العامة في دول مثل إسبانيا والمجر وبولندا تحقيقات في مزاعم انتهاكات ضد NSO، لكن لم يتم توجيه اتهامات رسمية حتى الآن.
استهداف ناشطين حقوقيين
تضم قائمة الضحايا في الشكوى المقدمة إلى شرطة العاصمة البريطانية ثلاثة ناشطين آخرين إلى جانب التكريتي، تعرضت هواتفهم للاختراق على الأراضي البريطانية بين عامي 2018 و2021. ويعتقد أن حكومات عربية تقف وراء هذه الاختراقات. وتشمل الشكوى شركة NSO وأعضاء مجلس إدارتها وشركة Q Cyber Technologies التي تتخذ من لوكسمبورغ مقرًا لها، وكذلك شركة نوفالبينا للأسهم الخاصة في لندن، التي استحوذت على NSO في العام 2019. تتهم الشكوى الأطراف المعنية بخرق قانون إساءة استخدام الحاسوب في المملكة المتحدة، من خلال تمكين حكومات دول أخرى من اختراق هواتف الناشطين باستخدام برنامج "بيغاسوس".
بالرغم من البلاغات والشكاوى المتزايدة، لا تزال NSO تواجه دعاوى قضائية أخرى حول العالم. ففي الولايات المتحدة، رفعت شركة "واتساب" دعوى قضائية ضد NSO في عام 2019، متهمة إياها باستخدام منصتها لاختراق هواتف 1400 مستخدم. ورغم محاولات NSO المتكررة لرفض القضية بدعوى الحصانة السيادية، رفضت المحكمة هذه الادعاءات في يناير الماضي.
في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، رفعت شركة آبل دعوى قضائية هي الأخرى ضد NSO، تتهمها فيها بمسؤولية مراقبة واستهداف مستخدمي منتجاتها. ولكن في سبتمبر/أيلول 2023، طلبت "آبل" إسقاط دعواها، مشيرة إلى أن السلطات الإسرائيلية صادرت ملفات من مقر NSO، مما قد يمنع الشركة الأميركية من الحصول على الأدلة المطلوبة للمحاكمة.
بالرغم من التحديات القانونية، يبدو أن NSO تسعى لإعادة تأهيل صورتها. ففي نوفمبر/تشرين الاثني الماضي، أرسلت الشركة خطابًا عاجلًا إلى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن تطلب فيه الاجتماع، مشيرة إلى دورها في ما سمّته "مكافحة الإرهاب" و"مواجهة تهديدات حركة حماس"، مستغلةً حرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، في محاولة لتبييض سمعتها لدى واشنطن.