لا شك أن هذه الجريمة الغادرة ككل جرائم العدو التي تعتمد على الغدر، ولا تتسم بالمواجهات العسكرية المباشرة، تؤكد حقيقة هزالة هذا الجيش الصهيوني واستحقاقه للقب "جيش الدمى" والذي تلاعبت به المقاومة الفلسطينية في غزة واشتهر على وسائل إعلام الصهاينة بأنه كـ "البط" في مرمى نيران المقاومة في لبنان.
لا شك أن العدو يستعيض عن هذه الفجوة في شجاعة المواجهات بفجوات أخرى كفلتها له أميركا وكفلها له التواطؤ الدولي وغياب القانون، وتتمثل في عمودين رئيسيين، هما سلاح الجو والتكنولوجيا، وهي فجوات قلصتها جبهات المقاومة عبر تطوير صواريخها ومسيراتها وبعض مما أظهرته من نماذج للدفاعات الجوية.
لكن تظل هناك هذه الفجوات التكنولوجية بحكم أسبقية التصنيع لصالح العدو ورعاته، وهو ما يوظفه في جرائم الحرب والمجازر والعدوان الغادر.
هنا لا نتطرق للتحقيقات وخلاصاتها والتي ستتبين بكامل تفاصيلها، ولكننا سنتطرق للتداعيات العملية لهذه الجريمة وتقييمها وفقًا لحسابات المكسب والخسارة الإستراتيجية.
ومبدئيًا فإن حزب الله قد حمل العدو مسؤولية الجريمة وتعهد بالرد والقصاص العادل، وهو رد حتمي قادم لا محالة، وبالتالي فإن العدو حمل نفسه فاتورة باهظة كان في غنى عنها، إلا لو كان متعمدًا لتوسيع القتال ولمزيد من الانزلاقات، وفي هذه الحالة أيضًا فقد حمل نفسه مخاطر أكثر فداحة.
هنا يمكن رصد هذه النقاط في تقييم المكاسب والخسائر الإستراتيجية:
أولًا: استهداف المدنيين، وهي إشارة ضعف للعدو تتلقفها المقاومة بأنه يستعيض عن تهديداته البرية وتوسيعه للقتال بعمليات إجرامية كهذه، وهو ما يرفع من معنويات المقاتلين على الجبهات.
ثانيًا: لو كانت حسابات العدو قائمة على إرهاب بيئة المقاومة، فإن اندفاع الأهالي والفئات العريضة من الشعب اللبناني لإسعاف الجرحى والتبرع بالدم، وتجديد العهد للمقاومة والمطالبة بالثأر، هو رد أولي على الجريمة، وإثبات لفشل أهداف العدو، بل جاءت جريمته بنتائج عكسية حيث رفعت من سخونة المعركة وحماسة بيئة المقاومة التي توسعت على مساحة لبنان بأكمله.
ثالثًا: لو كان الهدف هو الضغط على المقاومة في لبنان للتخلي عن معركة الإسناد، فهو جهل مركب، إذ يشي ذلك بأن العدو لا يتعظ من التجارب ولا يعرف حتى الآن مصداقية المقاومة وإرادتها الحديدية وعدم انصياعها للإرهاب والمذلة، من جهة، ومن جهة أخرى هو إدخال للمقاومة في معركة مباشرة وليس معركة إسناد فقط، وبالتالي تغيير عنوان المعركة وما يستتبعه ذلك من تغيير في مدى النيران وقوتها وقواعد اشتباكها.
لا شك أن تنفيذ الجريمة الإرهابية بعد لقاء المبعوث الأمريكي هوكستين، هي إشارة إلى وحدة المعركة صهيونيًا وأمريكيًا، ولا سيما وأن التقنيات السيبرانية التي استخدمت في الجريمة تشي بأنها أكبر كثيرًا من إمكانيات الكيان وأنها نتاج تضافر أكثر من جهة، كما أن قيادة أميركا للعدوان ونفاقها الظاهر في التعقيب على الجريمة ليسا بحاجة لأدلة وليسا بحاجة لانتظار التحقيقات.
المحصلة أن على العدو أن يتوقع مزيدًا من الثبات على الجبهات ومزيدًا من التلاحم في الجبهة الداخلية لجمهور المقاومة، ومزيدًا من النيران والعمليات النوعية على الجبهات.
من هنا، فإن تقييم العملية الغادرة لا يعدو كونه عملًا عقابيًا للمقاومة وجمهورها على خيار الشرف والإسناد للمقاومة الفلسطينية، ولا يتخطى تأثيره سوى الألم وهو ما اعترف به سيد المقاومة عندما قال إننا نحزن ونتألم ولكننا لا نغير من مبادئنا وخياراتنا. فإن كان العدو يعتبر الألم والحزن مكسبًا فهنيئًا له، ولكن المقاومة تعرف أنها اختارت طريق ذات الشوكة وأن أمرها صعب مستصعب، وشعارها هو "هيهات منا الذلة" ، وتمضي في خياراتها الإستراتيجية بثبات لا يثنيها عنه ألم أو جرح أو شهادة.