أوراق سياسية

جبل عامل والغزاة... يرحلون ونبقى

post-img

ولّادة تلك الأرض، تمكّن عاشقها من صحن خدّها، وتعطي قبلتها من يشتهيها. سلامٌ على أهلها شهداء وجرحى وصامدين ونازحين، وعلى جيرانها في الدم والعطاء بعلبك الشمس وبقاع الخير، وعلى فرسانها البواسل، وأقمارها الطوالع أحمد وسناء وهادي وبلال ووجدي وعماد وطلال وإبراهيم يطلعون من فومها وقثّائها وعدسها وبصلها، من تينها وزيتونها وحورها وصفصافها، من سكوكعها وورد الجوري فيها وبخور مريم في صخورها، من الماء الرقراق في دردارتها والطواحين عند الليطاني والمغاور في رفيعها، من حجلها وترغلّها وحسونها وبلبلها، كالنحل تتخذ في الجبال بيوتاً وما يعرشون، يطلعون من الفجرِ، وليالٍ عشر ومريم والذاريات، ينبعون من «هل أتى» والعاديات، يذودون عن الأرض والعرض ويصونون آخر ما بقي من شرف العرب، ولا يرضون لفلسطين الحبيبة أن تنزل لها دمعة أو يُكسر لها ضلع، ولو تحنّت نحورهم بالدم ووقفوا في وجع الغرب المستكبر بأسره. هم قوم لهم باعٌ طويل في صدّ الغزاة ورد كيد المحتلين إلى نحورهم، واختراع معادلة العين التي تقاوم المخرز، كما تقاوم شتلة التبغ في حقولهم كل العواصف لتطلع مجبولة بالحب والتعب. نستعرض في «كلمات» صفحات من نضال الأرض العاملية ضد المحتلين كلهم منذ الغزو الصليبي حتى العدوان الصهيوني، بينما تردد الريح خلف جبال عاملة العالية والشامخة: يرحلون ونبقى

■ صلاح الدين في بلاد عاملة (1190م)

وعن سقوط تبنين يروي ابن الأثير أنّ صلاح الدين أنفذ تقي الدين ابن أخيه إلى تبنين، فلما وصلها نازلها وأقام عليها، فرأى حصرها لا يتم إلا بوصول عمه صلاح الدين إليه، فأرسل إليه يعلمه الحال ويحثه على الوصول إليه، فرحل ثامن جمادى الأولى ونزل عليه حادي عشر، فحاصرها وضايقها وقاتلها بالزحف وهي من القلاع المنيعة على جبل، فلما ضاق عليهم الأمر واشتد الحصار، أطلقوا من عندهم من أسرى المسلمين وهم يزيدون على مئة رجل. فلما دخلوا العسكر، أحضرهم صلاح الدين وكساهم وأعطاهم نفقة وسيرهم إلى أهليهم وبقي الفرنج كذلك خمسة أيام ثم أرسلوا يطلبون الأمان فأمنهم على أنفسهم فسلموها إليه ووفى لهم وسيرهم إلى مأمنهم.

أما صيدا، فإنّ صلاح الدين لما فرغ من تبنين، رحل عنها إلى صيدا فاجتاز في طريقه بصرفند فأخذها صفواً عفواً بغير قتال وسار عنها إلى صيدا وهي من مدن الساحل المعروفة، فلما سمع صاحبها بمسيره نحوه، سار عنها وتركها فارغة من مانع ومدافع، فلما وصلها صلاح الدين تسلمها ساعة وصوله وكان ملكها لتسع بقين من جمادی الأولی.

وعرف جسر القاسمية معارك عدة بين الصليبيين الذين حاولوا الخروج من صور باتجاه صيدا وبين الجيوش التي حررت الجبل.

ويذكر صاحب الفتح القدسي أن صلاح الدين تفقد قلاع جبل عامل وحصونه بعد سقوطها، فقد سار على طريق جبل عامل ونزل ضحوه بضيعة يقال لها الجش وسرنا منها وخيمنا على مرج تبنين، وفي الصباح تفقد القلعة ووصى الوالي بعمارتها، ثم رحلنا بكرة السبت وجزنا على قلعة هونين، ونزلنا من الجبل وبتنا على عين الراهب، ورحلنا يوم الأحد وخيمنا بمرج عيون، ورحلنا يوم الإثنين وعبرنا بين عمل صيدا يسرة وعمل وادي التيم يمنة، على الضِياع والقرى وعرسنا على مرج تلفياتا مقابل مرج القنيعة، ثم أصبحنا يوم الثلاثاء على الرحيل إلى البقاع من تلفياتا.

(المرجع: جهاد بنوت، «حركات النضال في جبل عامل»، مكتبة الفقيه، 1993)

■ معركة البحرة بين أهل عاملة والعثمانيين (1771 م)

قام عثمان باشا بجيشه في 30 آب سنة 1185هـ - 1771م من دمشق قاصداً مهاجمة بلاد أهل عاملة من الجهة الجنوبية الشرقية. وصل إلى بحيرة الحولة فضرب خيامه على ضفافها بعد أن اجتاز نهر الأردن على جسر بنات يعقوب، وهو المكان الذي فاجأ فيه نور الدين (الشهيد محمود بن زنكي)، في سنة 1156م بودوان الثالث ملك أورشليم في الحروب الصليبية.

وقيل إن جيش الظاهر (ظاهر العمر) والمتاولة المواد جيش عثمان باشا زحفاً على بطونهم من أربع جهات. وكان جيشه مؤلفاً من عشرة آلاف رجل واثني عشر مدفعاً وأربعة مدافع لك الحصون وإن ناصيف النصار قطع بسيفه رأس قائد مارديني ظناً من أنه عثمان باشا. وإن هذا الباشا فرّ ناجياً بنفسه وفقد خيمته وسلاحه وخيوله وأركيلته (كذا). وأما الجيش، فقد فني عن آخره، من سلم من القتل رمى نفسه في البحيرة فمات غرقاً. هذا ما أورده المؤرخ والوزير الفرنسي ادوار لاكروا في كتابه المسمى «تاريخ أحمد باشا الجزار أو سوريا ومصر في أواخر القرن الثامن عشر» الذي استقاه من تقارير قناصل ونسا في صيدا ومن سجلات وزارة الخارجية الفرنسية.

وعسكر الشيخ ناصيف النصار بجنوده في جوار مقام النبي يوشع الواقع في الشرق الجنوبي من جبل عامل، وعقد مشايخ عاملة ديوان مشورة ورتبوا خطة بالهجوم وتضرعوا إلى الله أن ينصرهم على العدو الباغي. وكان مقام النبي يوشع بناية حقيرة فقطع الشيخ ناصيف عهداً على نفسه أن يبني المقام بناء فخماً إذا ظفر بالعدو. ثم كنس المقام بعمامته تواضعاً وتبركاً. ولما أحرز النصر، بناه على الشكل الحاضر، ورفع فوق الضريح قبة شامخة. وانتدب ناصيف فرقة من أبسل جنوده وأوفرها شجاعةً لا تزيد عن خمسمئة فارس، فبيتت العدو وزحفت إليه ليلاً فأحاطت به من جهات ثلاث وأعملت فيه السيف. ولم ينجُ من القتل إلا من ألقى نفسه في البحيرة. ولم يُقتل من المهاجمين جندي واحد. وفرّ الوالي عثمان باشا منهزماً لا يلوي على شيء. وكان الناس لعهد قريب يعثرون على أسلحة الغرقى في البحيرة.
(المرجع: محمد جابر آل صفا، «تاريخ جبل عامل»، دار النهار، 2004)

■ موقعة يارون بين أهل عاملة والجزار (1781م)

هاجم الجزار أهل جبل عامل بجيش جرار أرسله من الجهة الجنوبية متظاهراً بأنه يريد اجتياز جبل عامل إلى وادي التيم لتأديب العصاة، وفي نيّته مهاجمة جبل عامل، وشيوخه غافلون عن قصده الحقيقي، فيقع بهم على غرّة. ولكن الشيخ ناصيف النصّار كان يقظاً وحذراً، فلما بلغه قدوم العسكر، أدرك خطته، وأراد أن يفوّت عليه هذه الفرصة، فسارع إلى لقائه بمن كان موجوداً معه في حصن تبنين من المقاتلين، دون أن يدعو إلى إعلان النفير العام بواسطة الصَوات كما جرت العادة، فلم يجمع رجاله ولم ينادِ، كالعادة بني متوال، بل حملته الجرأة والبسالة على منازلة ذلك الجيش اللجب بخيله القليلة، فجمع رجاله، ولم ينتظر وصول بقيّة الجنود والأعوان المرابطة في القلاع. ربما لأن مفاجأة الجزار لم تترك وقتاً كافياً لذلك، أو لأنه لم يشأ أن يعطي عدوه فرصة لتجميع باقي قواته، وسار بتلك العساكر القليلة قاصداً عسكر الجزار، وفي يوم الإثنين، الخامس من شوال سنة 1195 هـ 23 أيلول 1781م، صادموا عسكر الجزار، ونشبت بين الشيخ ناصيف وبين دولة أحمد باشا الجزار، معركة ضارية في أرض يارون، واستمر القتال بينهم إلى أواخر النهار، وحمل الشيخ ناصيف النصار في مقدمة العسكر، فجاءه فارس زنجي وأطلق عليه الرمح، فأصابه بجرح ثبت له فانثنى كارّاً عليه وضربه بالسيف فقتله، فجاءه ثلاثة فوارس فأراد أن يميل عنان جواده نحوهم فزلت حذوة الجواد على بلاطة، فسقطا معاً، وعاجله أحدهم بإطلاق الرصاص، فأصابته رصاصة في رأسه، وطعنه الآخر في صدره فخرّ قتيلاً، وقتل معه شقيقه أحمد، وحوالى أربعمئة من مقاتليه، وانتصر عسكر الجزار بعد أن قتل منهم مقتلة عظيمة، قدرت بثلث عسكر الجزار. والبلاطة التي استشهد عليها الشيخ ناصيف صخرة واسعة تعرف اليوم باسمه، والظاهر أنها سطح صخرة ضخمة مغمورة بالأرض، سطحها يساوي سطح الأرض، متصلة بمقبرة يارون.

وحزن أهل عاملة أجمع حزناً عاماً على الشيخ ناصيف النصار، واستمروا يندبونه لأكثر من خمسين سنة، حتى أفتى العلماء بتحريم إقامة المآتم تخليداً لذكراه بعد أن صارت تقليداً عاملياً، خوفاً من تناسي الناس لمقتل الإمام الحسين، لأنه هو سيّد الشهداء، وساد تقليد عند الشيعة الإمامية وهو إقامة مجالس العزاء على الإمام الحسين شهيد كربلاء عند كل مأتم لشهيد أو ميت وتحويل البكاء على الأرحام الموتى إلى البكاء على سيد الشهداء. وينبغي أن يكون قبره حيث استشهد، لما رافق شهادته من توتر أمني يمنع الناس من التصرف بأمان وهدوء ونقل جثمانه إلى مكان بعيد مثل النبي يوشع، ولكن المعروف والمشهور أنه هناك، حيث تحول إلى مزار للفلاحين من العامليين، يتباركون به، بل كان من عوائد عوامهم أنّ الفرس إذا أصابها مغص يطوفون بها حول قبر ناصيف ويرجون برءها بذلك.

(المرجع: كاظم ياسين، «تاريخ الشيعة والطوائف في لبنان»، دار المحجة البيضاء، 2022)

■ مظالم العثمانيين في الحرب الأولى (1918)

أما ما كان يقاسيه المجندون في ساحات الوغى من الازدراء والتحقير والترويع والتجويع والقذف بهم في لهوات المهالك، وما أصاب من خلفوه وراءهم من ضعفاء النساء والأطفال والعجزة من الفقر والفاقة، وقد حجز بينهم وبين من كان يكفلهم، وما صبّ على أسر من فرّ من التجنيد من التخويف والامتهان، فحدّث عنه ولا حرَج.

تحت سوط العذاب، وما إلى ذلك من التفنن في العسف والإرهاق، فهو ما لا يُراد منه إلا القضاء على الأمة جوعاً. وقد امتنعوا عن تموين الجيش، وكانت الأهراء مملوءة من الأقوات، وكان جلهم يموتون جوعاً وكانت ممنوعة عنهم:

كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ/ والماء فوق ظهورها محمول.

دَع حديث السلطة المطلقة التي أناطها (جمال) بأفراد الجندرمة وصغارهم وعريفيهم، فكانوا ينفذون حكم الموت شنقاً أو رمياً بالرصاص في كل من هم بالفرار من الجندية، فكانت تنصب لهم أعواد المشانق في صور والنبطية وبنت جبيل، ويقتلون بأيديهم الأثيمة في الطرق كل من لا يملك فدية عن نفسه، حتى أصبح كل دركي في كل قرية «جمالاً» يتفنن في التعذيب والتقتيل والمصادرة والنهب، وكم من قتيل بأفظع صور القتل، إلهاباً بالسوط، إلى أن يُقضى عليه.

ومن أمثال هذه الضحايا أنه في عام 1918 بينما كان رجل من صيدا فاراً من الجندية، صاح به دركي وهو لم ينتبه لصياحه، وظل متابعاً سيره، فأطلق عليه رصاصة أصابته في مؤخر رأسه وخرجت من جبهته فذهبت بعينيه وبحياته. ومنها موت الرجل المدعو الشيخ زين من قرية الصرفند من أعمال صيدا من جبل عامل، تحت ضرب الجندرمة، لأنه لم يدلّهم على سارق أحد أعمدة التلغراف، وهو في الواقع لا يعرف السارق. ولما شكا أهله أمره إلى المراجع العدلية، وقف قائد الدرك إذ ذاك طلعت بك الكردي في وجه التحقيق وإنفاذه في مرتكبي جرم القتل قائلاً إنه يأبى كل الإباء أن تكسر معنويات الجندرمة، فأسدل الستار على هذه الجريمة.

(المرجع: سليمان ظاهر، «صفحات من تاريخ جبل عامل»، الدار الإسلامية، 2002.)

■ محاولة اغتيال الجنرال غورو (1921م)

وحدثنا رفيق شركسي حديثاً طويلاً عن أدهم في رحلته قال: ذهبنا إلى القنيطرة، وهنا التقى أدهم وأحمد مريود، فاختليا قليلاً، وقررا أن يرابطا على الطريق العام بين دمشق والقنيطرة، حتى يمر الجنرال غورو، إذ عرف أنه آتٍ إلى القنيطرة لتفقد شؤون المنطقة. وقد نفذا قرارهما بالفعل. كمن أحمد مريود على جانب من الطريق وكمَنَ أدهم على الجانب الآخر، في نقطة تبعد عشرة كيلومترات عن القنيطرة، ووقف أحد رجالهما في منتصف الطريق وبيده ورقة بيضاء يتقدم بها إلى الجنرال غورو حين تصل سيارته إليه، فيطلب أن تقف سيارة القائد الفرنسي قليلاً متظاهراً أنّ لديه ظلامة يريد أن يقدمها إلى القائد، وكان من اعتداد مريود وأدهم بحذقهما في إصابة الهدف، أنهما لم يضعا في منتصف الطريق شيئاً من الحجارة تعترض سيارة الجنرال فتضطر إلى الوقوف، فيطلقان رصاصهما عليه دون أن يخطئا هدفهما وتتم المؤامرة. وجاءت سيارة الجنرال غورو، فاعترضها الرجل ملوحاً بورقته، وكاد السائق يقف، ولكن غورو أدرك الحيلة فوكز السائق أن يتابع مسيره على عجل، ثم ألقى بجسمه إلى قلب السيارة، وكانت هذه مصفحة من نوع «المارمون»، وأخذ مريود وأدهم يطلقان الرصاص على سائق السيارة عسى أن يقتلاه، فيقبضا على الجنرال غورو ويكون رهينة لديهما يساومان به، لإعفاء جميع المحكومين من قومهما ومواطنيهما. ولكن رغم مهارة أدهم ومريود وحذقهما بالرماية، لم يستطيعا إصابة السائق، وإنما أصيب مرافق غورو، وأصيب السيد حقي العظم، رئيس الحكومة السورية يومئذ بكتفه، وكان يرافق غورو في هذه الرحلة.

(المرجع: رضا التامر، «ذكريات رضا التامر»، دار النهار، 1997).

■ صفحات البطولة في المالكية (1948)

تقع المالكية وهي قرية صغيرة في شمال فلسطين، وقرب الحدود اللبنانية، عند مفترق الطرق التي تصل لبنان بفلسطين في القطاع الأوسط من الجهة اللبنانية، فتسيطر على هذه الطرق وخاصة طريق عيترون وبنت جبيل وبليدا وميس الجبل، كما أنها تعتبر مفتاح حوض الحولة والطرق المؤدية إلى عكا وصفد والناصرة. قام الصهاينة بهجوم مفاجئ في 12 أيار واحتلوها، إذ كانوا على علم بالخطة العسكرية العامة، وعلى معرفة بأن القوات السورية ستنطلق من المالكية. وبعد هذه العملية، قامت قوات الإنقاذ بقيادة الشيشكلي بمهاجمة المالكية مجدداً، واستطاعت استعادة وتحرير معسكرها من الصهاينة الذين التجؤوا إلى المرتفعات المجاورة، حيث قاموا في 29 أيار بهجوم مضاد لطرد قوات الإنقاذ من المالكية وقدس وبليدا وعيترون، وقد تخطى الصهاينة الحدود الفلسطينية، ودخلوا قرية عيترون، فتركها الجيش اللبناني باتجاه بنت جبيل، طالباً من الأهالي مغادرة البلدة، فحاول بعض الشباب المتحمس بقيادة حسن سليم مصطفى، أخذ بعض البنادق من الجيش لردّ الهجوم ولكن دون جدوى. فانتقل الشباب بمجموعات إلى محلة المسلخ القريبة من عيترون، وتم حفر الطريق المؤدية إلى بنت جبيل، كما وضعت الأحجار الكبيرة بشكل سدود لمنع تقدم آليات العدو، وكان الشباب عزّلاً من السلاح.

وتقرر الهجوم على المالكية لاسترجاعها يوم السادس من حزيران، واشترك في هذه المعركة النقيب زغيب قائد سرية الجيش اللبناني، وكان فوج المشاة اللبناني بقيادة المقدم جميل الحسامي، واشترك أيضاً بعض المتطوعين من جبل عامل، ومنهم أشخاص من بنت جبيل نفسها على رأسهم علي بزي الذي دخل برفقة الشيشكلي إلى الهراوي، التي تقع بالقرب من قدَس، حيث تعطلت الدبابة التي كانا يستقلانها، ما استدعى إصلاحها، ثم دخلا إلى المالكية، وكان برفقة علي بزي عدد من أبناء بنت جبيل منهم محمد علي الزين فرج، عبد الأمير صالح، نجيب طالب ونمر طرفة الذي استشهد في هذه المعركة. وتحت ضغط القوات هذه، أخذت وحدات صهيونية تترك مواقعها، ثم استولى الجنود اللبنانيون والإنقاذ والمتطوعون على تحصينات معسكر المالكية، وانتهت المعركة بهزيمة تامة للصهاينة، ثم تم احتلال قدس التي تبعد 2 كلم عن المالكية شرقاً، وخسرت القوات اللبنانية في عملية الهجوم هذه، شهيدين اثنين هما جندي من كتيبة المشاة وعريف من مفرزة الهندسة هو إميل الحلو، وأصيب خمسة رتباء وعريف واحد وثمانية جنود بجروح مختلفة، وإضافة إلى الشهيد الذي قدمته بنت جبيل، فقد قدمت صيدا أيضاً شهيداً آخر هو محمد ديب عكرة.

(المرجع: مصطفى بزي، «جبل عامل في محيطه العربي»، مركز الدراسات والتوثيق والنشر، 1993)

■ صفحات عز في كتاب الجنوب (1982-1985)

في صبيحة الحادي عشر من تشرين الأول 1982، قاد فتى من قرية دير قانون النهر يدعى أحمد قصير ولقبه «حيدر» سيارة مرسيدس مفخّخة بأكثر من مئتي كيلوغرام من المواد المتفجرة واقتحم بها مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي لمنطقة صور، وللحظات لم يصدق كثيرون ما سمعوا، ولكن التفاصيل بدأت تتوالى، «لقد دُمّر المبنى المؤلف من 8 طوابق على من فيه»، قال أوري أور قائد المنطقة الشمالية في جيش الاحتلال وأضاف «لقد كانت الصدمة الأولى والصدمة الأقوى للجيش الإسرائيلي في لبنان». المحصلة النهائية للعملية البطولية كانت 74 قتيلاً و27 مفقوداً وفقاً لما اعترف به الناطق العسكري الإسرائيلي، وظل اسم منفذ العملية مجهولاً حتى 19 أيار 1985 عندما أعلنت المقاومة الإسلامية اسم أحمد قصير المنفّذ للعملية الاستشهادية الأولى. وبعد عام على تنفيذ الاستشهادي أحمد قصير عمليته وانتقال القيادة إلى مكان آخر، هاجم استشهادي مجهول الهوية (4/11/1983) بواسطة سيارة بيك آب مقر المخابرات الإسرائيلية في صور، وقد حاول الحراس الإسرائيليون إيقافه ولكنه لم يمتثل واندفع بها متجاوزاً الحاجز وثلاثة سواتر ترابية قبل أن تستقر أمام المبنى وتنفجر. اعترفت إسرائيل بمقتل 29 من جنودها في العملية التي عرفت بعملية «مدرسة الشجرة». وفي 18/1/1984، كانت ساحة مدينة صيدا مسرحاً لعملية بطولية نفّذها فتى في الرابعة عشرة من عمره ويدعى نزيه القبرصلي الذي تصدى لدورية إسرائيلية أمام الجامع العمري وأمطرها بنيران رشاشه على مرأى من العشرات، فقتل على الفور أحد الجنود وجُرح ثلاثةٌ آخرون قبل أن يستشهد ليسجل اسمه كأحد رموز المقاومة الوطنية اللبنانية. في 16/6/1984 كان الفتى بلال فحص قد اختار مكاناً ضيقاً قرب جدار لأحد بساتين الحمضيات في بلدة الزهراني كميناً بسيارته المرسيدس لقافلة من جيش الاحتلال. انتظر بلال وصول القافلة، وعندما اقتربت منه أدار محرك سيارته واتجه بها بسرعة إلى ملالة للعدو وكان الانفجار قويّاً وصل صداه إلى منطقة صور. اعترفت قيادة العدو بالعملية وقالت إن 11 جندياً أصيبوا بجروح، فيما أعلنت المقاومة اللبنانية «أمل» مسؤوليتها عن العملية، ووزعت نبذة عن الشهيد ونصّ الوصية. وفي التاسع من نيسان 1985، اقتحمت فتاة في السابعةَ عشرةَ من عمرها تدعى سناء محيدلي، بسيارة بيجو 504 بيضاء اللون ومفخَّخة بأكثرَ من 200 كلغ من مادَّة تي إن تي، تجمُّعاً لآليات جيش الاحتلال الإسرائيلي على مَعبَر باتر- جزين، مفجّرة نفسها وسط التجمُّع الذي كان ينظم المرحلة الثانية من الانسحاب من القطاع الشرقي لجنوب لبنان. وتبنّت جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية والحزب السوري القومي الاجتماعي العملية وسمّيت محيدلي «عروس الجنوب».

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد