لطالما كان حلم العدو الإسرائيلي، مذ استلام السيد حسن نصرلله للأمانة العامة لحزب الله، التخلص منه مثلما تخلص من الأمين السابق السيد عباس الموسوي – قدس سره- في العام 1992. فقد صرح قادته نادمين على اغتيال الموسوي لأن من اتاهم أشد منه إصرارا على مقاتلتهم؛ بحسب تعبيرهم. وهم لا يعلمون حكمة رب العالمين الذي سن في الكون قواعده ومعاييره في أن لكلّ مرحلة ولكلّ زمن رجاله وقادته الشرفاء.
فمن هو قائد القوات المسلحة وسيد المقاومة وقائد محور المقاومة سماحة الأمين العام لحزب الله؟
السيد نصرالله ونسبه الشريف
اللقب جاء من اسم جدهم السيّد نصر الله بن ناصر الدين بن يونس بن جميل بن علم الدين بن طعمة الثاني بن شرف الدين بن طعمة الأول كمال الدين بن أبي جعفر محمد بن أحمد شمس الدين بن أبي الفائز محمد (الجد الجامع للسادة آل فائز الموسوية) ابن أبي الحسن علي بن أحمد جلال الدين بن محمد بن أبي جعفر محمد بن أبي جعفر نجم الدين الأسود بن محمد بن أبي جعفر محمد بن علي الفريق بن محمد خير العمال بن أبي الحسن علي المجدور بن أبي الطيب أحمد بن محمد الحائري بن إبراهيم المجاب بن محمد العابد بن الإمام موسى الكاظم (عليه السّلام(.
تؤكد الوثائق التاريخية القديمة أن نقابة الأشراف وسدانة المشهد الحسيني وطّأت أقدام جدهم السيّد إبراهيم المجاب بن السيّد محمد العابد بن الإمام موسى الكاظم سنة 247هـ، وجدهم أبو الفائز محمد الذي سميت القبيلة باسمه مع أولاد عمهم من السادة آل طعمة وآل قفطون وآل ضياء الدين وآل تاجر وآل مساعد وآل محمد أمين.
كان جدهم السيّد أحمد شمس الدين (ناظر راس العين) يلقّب بأحمد بن هاشم، وقبره يزار في شفاثا، ووفاته سنة 745 هـ. وجدهم السيّد طعمة كمال الدين نقيب الأشراف والسيّد شرف الدين نقيب الأشراف، وجدهم طعمة الثاني نقيب الأشراف. وكان السيّد نصر الله نقيبًا في الحائر سنة 1091هـ. ولديهم أملاك في عين التمر وداخل قصبة كربلاء ناحية الحسينية موثقة وتزيد على أربعة قرون، ولهم حق الخدمة في المرقدين الشريفين من دون بقية العشائر من أولاد عمهم. وتشرفوا بسدانة مرقد شهيد الطف الإمام الحسين (عليه السّلام) سبط الرسول الكريم صلّى الله عليه وآله.
أمّا فروعهم فهي: آل السيّد صالح وآل السيّد علي الطويل وآل السيّد محمّد علي وآل السيّد أحمد وآل السيّد محمد. وعميدهم هو سادن الحضرة الحسينية المطهرة السيّد عبدالصاحب بن السيّد ناصر بن السيّد حسين بن السيّد جواد بن السيّد صالح بن السيّد باقر بن السيّد جواد بن السيّد كاظم بن السيّد نصر الله.
السيد نصر الله الفائزي الحائري استشهد في اسطنبول سنة 1168 هـ؛ وهو من أبرز الشخصيات العلمية المعروفة. وقد ذكره العلامة الشيخ عبد الحسين الأميني في كتابه « هداء الفضيلة» (ص 215) « السيد نصر الله بن حسين بن علي بن إسماعيل الحسيني الموسوي الحائري المعروف بالشهيد هو ممن جمع الله سبحانه له الحسنيين السعادة بالعلم والتقى والشهادة دون ما يحب الله ويرضي. كما أنه جامع بين المشرقين علو النسب والفضل المكتسب فهو عالم فقيه محدث اديب شاعر مشارك في علوم قلّ من اطلع عليها أجمع». وهناك مصادر كثيرة تبحث عن شخصيته العلمية.
الولادة والنشأة
ولد السيد حسن عبد الكريم نصر الله في منطقة برج حمود. وهي إحدى البلدات اللبنانية من قرى قضاء المتن في محافظة جبل لبنان. وتعد من ضواحي بيروت الكبرى ومركزا كبيرا للبنانيين من أصل أرمني. عاش الطفل حسن في منطقة الكارنتينا، وتعود أصوله إلى بلدة البازورية الجنوبية؛ حيث اضطر والده للنزوح إلى بيروت بحثًا عن فرصة للعمل.
ولد السيد حسن نصر الله، في 31 أغسطس/آب 1960، وكان الطفل التاسع من أصل عشر أطفال. والده، عبد الكريم نصر الله، كان قد ولد في البازورية، وهي مدينة في جنوب لبنان بقرب صور، وعمل في تجارة الخضار والفواكه. كان الفتى حسن متدينًا ومهتمًا بدراسة أصول الدين. التحق في مدرسة النجاح، ثم مدرسة سن الفيل الرسمية ذات الأغلبية المسيحية. في العام 1975، اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية، فأجبرت عائلة نصر الله، والذي كان بعمر 15 سنة، على العودة إلى البازورية؛ حيث أكمل دراسته في مدرسة صور الرسمية للبنين، ثم انضم إلى حركة أمل، في ظل طابع البلدة الشيوعي والماركسي. وعيّن نصر الله مندوبًا للحركة في بلدته.
تعرّف في صور إلى إمام مسجد الإمام جعفر الصادق السيد محمد الغروي، والذي ساعده في الذهاب إلى النجف، حيث أمضى مرحلة من الدراسة الإسلامية في الحوزة العلمية. التقى هناك بالسيد عباس الموسوي، الرجل الذي ستجمعه معه علاقة صداقة متينة وشراكة في تأسيس حزب الله لاحقًا. بعد أن أنهى المرحلة الأولى من دراسته، اضطر نصر الله إلى العودة إلى لبنان في العام 1979. بعد عودته إلى لبنان، درس ودرّس في الحوزة الدينية في بعلبك، والتي كانت تتبع تعاليم آية الله الشهيد السيد محمد باقر الصدر(قده)، وهو مؤسس حركة الدعوة في النجف الأشرف في العراق خلال عقد الستينيات من القرن الماضي، وأصبح لاحقًا مندوب حركة أمل في البقاع، وأصبح عضوًا في مكتبها السياسي المركزي.
تأسيس حزب الله
إثر الاجتياح الصهيوني للبنان في العام 1982، احتلّ الجنوب بالتواطئ مع جيش العميل انطوان لحد الذي انشق عن الجيش اللنباني. أنذاك ظهر حزب الله للمرة الأولى، فشارك السيد نصر الله في تأسيسه، وانضم إليه في العام نفسه، عندما كان بعمر 22 عامًا. انحصرت مسؤولياته الأولى بالتعبئة وإنشاء الخلايا العسكرية. تولّى لاحقًا منصب نائب مسؤول منطقة بيروت، ثم أصبح مسؤولًا عليها. أستحدث لاحقًا منصب المسؤول التنفيذي العام، وقد شغله نصر الله أيضًا وأصبح بذلك عضوًا في مجلس الشورى، وهو أعلى هيئة قيادية ضمن حزب الله. في العام 1989، غادر بيروت إلى قم في إيران، حيث تابع هناك دراساته الدينية. وفي العام 1991، بعد التطورات في الساحة اللبنانية، عاد إلى لبنان وشارك في انتخاب السيد عباس الموسوي أمينًا عامًا للحزب ونعيم قاسم نائبًا له، وعاد واستلم نصر الله مسؤولياته التنفيذية السابقة.
قيادة حزب الله وتحرير جنوب لبنان
بعد اغتيال "إسرائيل" للأمين العام السيد عباس الموسوي، أنتخب نصر الله خلفًا له في 16 شباط من العام 1992. وفي العام 1993، قام العدو بعملية "تصفية الحساب" (حرب الأيام السبعة)، ما تسبب بتدمير معظم البنى التحتية اللبنانية، ولكنّها فشلت بتحقيق أهدافها المتمثلة بتدمير حزب الله وترسانة صواريخه. وبالرغم من التوقّف لمدة قصيرة، قصفت "إسرائيل" أهدافًا قريبة من مواقع مدنية، ما دفع حزب الله إلى الرد باستهداف مستوطنات الشمال ومراكز العدو العسكرية ومراكز جيش لبنان الجنوبي في نيسان من العام 1996، حين أطلقت "إسرائيل" على تلك الحرب اسم عملية "عناقيد الغضب"، والتي أيضًا أجبر فيها العدو على عدم استهداف المدنيين في جنوب لبنان.
بعد خسائر "إسرائيل" الكبيرة، ظهر خلاف داخلي بين المسؤولين الصهاينة عن مدى أهمية بقاء الاحتلال في جنوب لبنان، فكان القرار بالانسحاب مدحورين في العام 2000، سحب رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك جميع قوات الجيش الإسرائيلي نهائيًا من لبنان.بعد الانسحاب، إنهارت ميليشيا جيش لحد، سريعًا في اليوم نفسه، فهرب بعض أعضائها إلى فلسطين المحتلة، واعتقل حزب الله بعضهم وسلّمهم للسلطات القضائية لمحاكمتهم. وبعد الاندحار الإسرائيلي مهزومًا من جنوب لبنان زادت شعبية حزب الله، لبنانيًا وعربيًا وإسلاميًا على حد سواء.
في العام 2004، أدى نصر الله دورًا أساسيًا في عمليات تبادل الإسرى بين حزب الله والكيان الغاصب (إسرائيل)، ما أدى إلى الإفراج عن مئات الأسرى الفلسطينيين واللبنانيين، بالإضافة إلى إعادة الكثير من الجثث بما فيها جئة ابنه "هادي"، الذي أسر العدو جثمانه بعد استشهاده في العام 1997. مجددًا، حقق حزب الله نجاحًا ومُدح السيد نصر الله على مدى واسع لتحقيقه هذه الإنجازات.
بقيادة السيد نصر الله نفذت الكثير من العمليات العسكرية ضد الكيان العظيم بين 1985 و2000، ما دفعها في النهاية للانسحاب الكامل من الجنوب، بلا أي اتفاقية أو معاهدة مع لبنان. في الانتخابات النيابية 1992، دخل حزب الله مجلس النواب اللبناني لأول مرة، حيث نجح في الحصول على 12 مقعدًا في البرلمان. وفي العام 2006، وقّع مذكرة تفاهم مع ميشال عون رئيس التيار الوطني الحر قبل أن يصبح رئيسًا للجمهورية، لينشئ تحالفًا مستمرًا حتى اليوم. وفي العام نفسه، شنّت "إسرائيل" هجومًا عسكريًا على حزب الله بعد قيامه بأسر جنديين إسرائيليين ضمن عملية الوعد الصادق. استمرت العمليات القتالية 34 يومًا وعرفت بحرب تموّز، وانتهت بقرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701.
معركة "طوفان الأقصى"
لم يتردّد الاحتلال الإسرائيلي في ارتكاب مجزرة بشعة، بعدما عمد إلى محو مجمع سكني بأكمله في الضاحية الجنوبية لبيروت واستخدام أكثر من 80 قنبلة، متوسّط وزن كل واحدة منها نحو طن واحد من المواد المتفجرة، وبينها قنابل خارقة للتحصينات، من أجل اغتيال الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، ليلة الجمعة في 27/9/2024، ليفتتح بذلك فصلًا جديدًا من عدوانه الذي بدأه في غزة قبل أن ينقله إلى لبنان. إذا كان اغتيال السيد حسن نصر الله، والذي قاد الحزب على مدى أكثر من 32 عامًا، قد خلّف صدمةً واسعةً في لبنان، خصوصًا بين مجتمع المقاومة، حيث تعالت أصوات بكاء الناس في الشوارع وسُمعت في أحياء واسعة من بيروت وباقي المناطق، فقد كان الخبر زلزالًا مدويًا عصف بوجدان محبيه في كل دول العالم من دون استثناء.
يقول عارفوه وخبراء تابعوه إن السيد حسن نصر الله كان يتمتع بذكاء حادّ ومعرفة واسعة، لا سيما في الشؤون الدينية والسياسية. وهو خطيب مفوّه ومتحدّث فصيح قادر على التحدث لوقت طويل من دون أن يتردّد أو يتلعثم. وفي أوساط مناصريه، يتمتّع بهالة كبيرة.. كان رفيقًا طيبًا مع جمهور المقاومة وحاد وقاسيًا متحديث مع العدو وعملائه يخاطبهم بلهجة التحدّي، والتي تقترن غالبًا برفع سبّابته اليمنى، والتي أصبحت رمزًا للتحدي والصمود والتهديد والوعيد لأي عدو للمقاومة.
في العام 2011، وقف حزب الله إلى جانب سوريا في الحرب الكونية التي شنّها عليها الغرب المعادي لاستقلال دول المنطقة؛ وصوّر السيد نصر الله مشاركة الحزب هذه بأنها حماية للأمن القومي للمقاومة في المنطقة برمتها، وقال وقته كلمته الشهيرة" سنكون حيث يجب أن نكون". وفي الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول في العام الماضي، بدأ حزب الله بمعركة إسناد قطاع غزة إثر عملية "طوفان الأقصى" ضد العدو الصهيوني، وقال في كلمته في الأول من أغسطس/ آب الماضي: "نحن ندفع ثمن إسنادنا لجبهة غزة وللشعب الفلسطيني وتبنينا القضية الفلسطينية وحماية المقدسات". ووصل هذا الثمن إلى مستوى أن جاد بنفسه في سبيل الطريق إلى القدس، فارتقى شهيدًا عظيمًا لم يشهد الزمن الراهن قائدًا مثله على مدى عقود طويلة منذ غياب إمام المقاومة السيد موسى الصدر في العام 1978.