كنت دائما أكتب إليك مع أني أعلم أنها لن يصلك ما أكتبه، فقد أُغلقت الأبواب بوجه قلمي، ولم أستطع إيصال كلماتي إليك...
هذا مقال كنت أكتبه قبل استشهاد سيد العالم بأسبوع، ولكن كالعادة لم أجد منبرًا لنشره ...
اليوم؛ أعلم أنّ كل كلماتنا تصلك يا سيد من دون وسيط ... فهي من قلوبنا إلى قلبك المدفون في أرواحنا ...
"أما بعد ...
سلام على سيد القلوب والأمين على العقل قبل الروح .. سلام عليك يا سيدي نصر الله ..
وأنت تخوض أكبر المعارك ضد العدو المتجبّر، ثمة من يخوض هذه المعركة معك بصمت المؤمن بقراراتك وشجاعة عقلك بالمضي إلى النصر الأكيد ... نصر وعد الله به .. فكنت أنت الشريان الذي لا ينضب عزيمة وإصرارًا .
دعني أخبرك حيث أنت، إنك وإن غبت حاضر، وإن حضرت ... حضرت خطاباتك نفسًا يُنقذ أنفاسنا وسط كل هذا الموت الذي يصيب مفاصل حياتنا بما فيها أجسادنا وأحلامنا وأرواحنا ...
ذات يوم، يا سيدي، حيث كانت تلفزة العالم تنقل لحظة استقدام الإجرام الأمريكي إلى العراق الحبيب، كان أبي يترقب الأخبار مُدمع العينين مغبّر الوجه، سألته حينها عن عبارة سمعتها على لسان مواطن عراقي يقول : "أهلا وسهلا بالمُخلص .."؛ فأجابني أبي : "غفت البصيرة وضاعت البوصلة، واستوطن الشر وطننا ..".
منذ ذلك الحين يا سيدي؛ أثقلت الحرب نفسي، فكبرنا وأبناء جيلي على تاريخ سابق سمعنا عنه وآخر حاضر نعيشه، وكل تاريخ منهما يتحدث عن الآخر، ويتسابق بطرح كمية الإجرام والانتهاك والظلم أكثر وأكثر .
كبرنا على رؤية الموت يتقاذف بنا على مساحة الوطن العربي بأديانه وطوائفه كلها، وكلما زاد الموت زاد العدوّ تشبثًا بحقارة أفعاله، وكأنّه والعالم يطمحون للعودة إلى عصور لم تكن على دراية بحقيقة الإله الواحد الأوحد، وكأنهم يذهبون بالأديان كلها إلى حدّ تحدّيها وتفريغها من مضمونها الإلهي السامي.
كنتَ منذ اللحظة الأولى على يقين بأن العدوّ لا ينحصر فقط بالكيان الصهيوني، بل هو جزء لا ينفصل عن حليف الشيطان الوفي أمريكا. وقبل وقوع الاحتلال الفعلي على العراق ، كنت أنت يا سيدي تحذر العرب كلّهم من مصير قاسٍ ستعيشه المنطقة إذا ما وثقوا ثقة عمياء بالولايات المتحدة التي جلبت معها الخراب والدمار. فقلتَ حينها: " وأمام هذا الخطر الذي يتهدّد الأمة بكاملها، مطلوب مستوى من المسؤولية من النظام العراقي ومن المعارضة العراقية" .. "ويجب أن نسحب الذرائع ونسقط الحجج، وفي الوقت نفسه نجمع صفوفنا من جديد حتى إذا غزت الولايات المتحدة العراق نقف جميعا ضدها " .
في العام ٢٠٠٣ زرعت أمريكا شرها في الشرق الذي لم يكن يوما خاليًا من وجودها، إلا أن رؤيتك للخطر لم تكن مجرد توقعات، بل هي رؤية عرفتها قبل غيرك أنها واقع أليم سيحترق به العراق ويكون بداية جديدة لخراب منبته الخيانات والمتاجرة و الجهل واستمراريته عنوانها التكبر الأمريكي والتفوق غير الأخلاقي لكيان العدو.
جاء تموز النصر، لكنه لم يأتِ إلا وأنت وأخوانك المقاومون صانعوه، و جاء النصر السوري فكنتم يدًا بيد مع جيشنا الغالي .
اليوم، تتسابق الدنيا لهزيمتك، ولكن الهزيمة ليست إلا وهما يتوهمونه ، فالنصر الذي ينمو داخل أصحاب الحق يكبر ويكبر ولا يُهزم أبدًا .
ستسأل يا سيدي لما أكتب إليك ما أنت فعلته وقلته، أبعثه إليك حتى تعلم أنّنا نعرف ما أنت فاعله كل تلك السنوات، وما الذي تفعله الآن، وما تنويه مستقبلاً حيال الوقوف بوجه العدو وناصرًا للحق .
أنت الآن وأبطال المقاومة تدخلون حربًا جنودها كلهم قادة، سيكون لك بدل الجيش جيوش، وبدل المقاوم ألف، على مساحة الدنيا، فأنت يا سيدي لم تمنح أهل الجنوب تلك الثقة المطلقة بالذهاب إلى النصر- بإذن الله - بل منحتها لنا جميعا حتى وإن كتمها بعضهم؛ لكنّهم يعرفون ولا يعترفون بأنّ خطابك خطاب، و قبضتك نصر؛ بإذن الله تعالى..