أطلّت نسوة من نوافذ البيوت يزغردن. صبي يركض نحو الطريق صارخًا: «السيد بعدو عايش!» وتتعالى صرخات الفرح. يتجه بعضهم إلى شاشات التلفزيون للتأكد، بينما يقلّب آخرون بين غروبات الواتس ليقرأوا الخبر اليقين، فلا يجدون إلا فيديو يتيمًا لشاب تصعقه السعادة بمجرد الفكرة.
هذا ليس إلا واحدًا من الأخبار الزائفة التي انتشرت في الآونة الأخيرة، ولعله أكثر خبر تمنى كثيرون أن يكون حقيقيًا. منذ بداية الحرب الإسرائيلية على لبنان، انتشر كثير من المعلومات غير الدقيقة التي تداولها المستخدمون عبر مواقع التواصل الاجتماعي ثم اتضح أنها مجرد شائعات، منها مشاهد أنفاق غير حقيقية، وإنذارات خطأ للإخلاء، أو صور وفيديوهات تعود لأحداث قديمة من دول أخرى وغيرها
تضع مؤسِسة منصة «تحقّق» إيمان برق الأخبار الزائفة ضمن مصطلح اضطراب المعلومات الذي تعرّفه الأونيسكو بأنّه «مشاركة أو تطوير معلومات كاذبة بقصد الإضرار أو من دونه، ويتم تصنيفها على أنها معلومات خطأ ومضللة وضارة». فالمعلومات الخطأ Misinformation هي معلومات كاذبة وغير حقيقية، لكن الشخص الذي ينشرها يظن أنها حقيقية، من دون نية إيقاع ضرر.
أما المعلومات المضللة Disinformation ، فهي معلومات مفبركة عن عمد بقصد الإضرار المباشر، بينما المعلومات الضارة Malinformation فهي مبنية على جزء من الحقيقة ومقصودة بها الإساءة والإضرار العمدي بأشخاص أو مؤسسات أو دول بعينها. ويضيف مدقق المعلومات محمد بزي من منصة «صواب» نوعًا رابعًا هو الـ Deep Fake الذي يعمد الذكاء الاصطناعي إلى خلقه بصريًا.
يستذكر بزي عددًا من الأخبار الزائفة التي انتشرت خلال الحرب الحالية مثل تغريدة للناطق باسم وزارة «الدفاع» الإسرائيلية أفيخاي أدرعي تزعم وجود موقع تحت الأرض لإنتاج مواد للصواريخ الدقيقة في منطقة الشويفات في بيروت ليتضح بعد التدقيق أنها مزيفة. وبعد استشهاد أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصر الله، انتشر فيديو زعم ناشروه أنه من احتفالات في غزة عقب عملية الاغتيال، ليتبين أن الفيديو قديم نُشر على «تيك توك» في آب (أغسطس) الماضي مع تعليق: «والله لنفرح رغم كل شي فيكي يا غزة». وكذلك انتشرت صورة لخاتم مكسور زُعم أنه لنصر الله، والصحيح أنه يعود لاستهداف قيادي «الحشد الشعبي» مشتاق طالب السعيدي، وصورة ادُعي أنها لنصر الله يحمل السلاح خلال الحرب الأهلية اللبنانية، ولكن تبيّن أنها للشهيد علي محمد سلمان.
انتشرت معلومات عن إلقاء مناشير في منطقة الكحالة على طريق بيروت دمشق تمهل السكان ساعتين للإخلاء، إلا أن الخبر لم يكن صحيحًا. كما انتشر فيديو لانفجار ضخم اعتُقد أنه في الجنوب اللبناني بينما اتضح بعد التدقيق أنه لمحطة وقود في نوفوسيبرسك في روسيا في العام 2021، وفيديو آخر لناطحة سحاب تشتعل فيها النيران قيل إنه في تل أبيب ليتبين أنه في الصين. وقد نشر بعض الأشخاص رابطًا انتحاليًا يزعم أن برنامج الأغذية العالمي يقدم مساعدات، وهذه الروابط قد تُعرّض بيانات المستخدمين للسرقة. لذا تنصح منصة «صواب» بضرورة العودة إلى مواقع المنظمات العالمية الرسمية على الإنترنت. كما نفت قناة «الجديد» خبرًا كاذبًا نُسب إليها بشأن موعد تشييع السيد نصر الله ومعلومة حول «خبر سيُفرح اللبنانيين في اليومين القادمين».
لكن كيف نتأكد من أي خبر يصلنا؟ ينصح بزي بمجموعة خطوات قد يقوم بها أي مستخدم لحظة وصول خبر يثير الشكوك: يمكن البحث عنه عبر غوغل والمواقع الإخبارية الموثوقة للتأكد منه قبل مشاركته. كما يمكن فحص مصداقية الموقع وطابعه، والتحقق من هوية الكاتب وخبرته في المجال الذي يكتب فيه، والبحث في صحة المصادر المعتمدة في الخبر. كما يجب ملاحظة تاريخ النشر، فهناك عدد من المشاهد القديمة التي يُعاد نشرها على أنها جديدة، وعدم الاكتفاء بالعنوان، فغالبًا ما توضع عناوين جذابة لا تتطابق مع مضمون الحدث.
تؤكد برق أنّ الوعي هو الحل الأساسي لمواجهة هذه الاخبار الزائفة، واعتماد التفكير النقدي عند التعاطي مع الكَم الهائل من المعلومات التي نتلقاها عبر الفضاء الرقمي، خصوصًا وسائل التواصل الاجتماعي، مقترحة قاعدة «ش. ش. ش» التي تشمل ثلاثية: «شكّك بكل معلومة حتى تتحقق من صحتها، شكّل المصادر للوصول إلى أفضل نتيجة، شارك المعلومة المصححة».
أما في ما يتعلق بالتحقق العكسي من الصور والفيديوهات، فينصح المدققون باعتماد Google lens, Yandex, Bing, Invid أو استخدام Tineye وهو محرك بحث يساعد على معرفة توقيت نشر الصور وأول من نشرها. وتضيف برق أن أداة مثل Ai or not تساعد في الكشف عما إذا كانت الصور مولدة بالذكاء الاصطناعي أم لا «علمًا أنه حتى الآن، لا يمكن الاعتماد على هذه الأدوات بشكل كلي، بل يجب التدقيق بالعين المجردة ومحاولة كشف التشوهات في الصورة للتأكد من صحتها». ويساعد محرك Webmii في التحقق من نشاط الأشخاص العام على الفضاء الرقمي. لكن تؤكد برق أنه من المهم عدم الاعتماد على نتيجة أداة واحدة واعتمادها كمصدر، بل مقاطعة المصادر للتثبت من المضمون.
أما في ما يتعلق بأخبار الإخلاء التي تُعدّ الأخطر لناحية سلامة المواطنين، وقد اتضح أنّ بعضها كان مجرد مزحة ثقيلة من قبل أحدهم، فتؤكد برق أن حساسية هذه الأخبار تقتضي الاستجابة للإخلاء ولو اتضح لاحقًا أنها زائفة، فلا يمكن تحمّل مسؤولية ضياع الوقت لتقصي حقيقة الأمر، «لذا ننصح بالإخلاء فورًا، وعدم التردد بهدف التأكد من المعلومة».