أوراق اجتماعية

ذوو الإعاقة في مراكز النزوح: المنظمات الدولية «تستعد» للمساعدة

post-img

تظهر المآسي في مراكز النزوح بدرجات متفاوتة، بين من تنقصهم فرش وبطانيات ووسادات ومن يشكون عدم وصول الحصص الغذائية... لكنها تصل إلى أقصاها في الغرف التي يوجد فيها ذوو إعاقة، خصوصا المعوقين حركياً الذين وجدوا أنفسهم فجأة داخل سجن لن يخرجوا منه حتى تنتهي الحرب، نظراً لصعوبة التنقّل بغياب المنحدرات والمصاعد، عدا عن التحديات المضاعفة للدخول إلى المرحاض، والنوم على الأرض بغياب الأسرّة، والحرمان من الأدوية والعلاجات الفيزيائية... ناهيك عن التخبّط في التنقل داخل «مسكن» جديد بالنسبة لذوي الإعاقات البصرية، فيما يصعب على ذوي الإعاقات الذهنية تقبّل الانقلاب في نظام حياتهم لجهة مكان السكن والأشخاص المحيطين بهم، عدا عن تأثير الضجّة عليهم. في أحد مراكز الشمال، مثلا، يضطر والد مقعدين ومكفوفين الى حملهما على ظهره من الطبقة الرابعة إلى المرحاض في الطبقة السفلية، وهو مرحاض غير مجهّز لاستقبال شخص على كرسي متحرك».خلال موجات التهجير الكبرى والمباغتة من الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، توزّع النازحون عشوائياً على مراكز الإيواء، ولم يجد الأشخاص المعوقون سبيلاً إلى المراكز الدامجة والمجهّزة لاستقبالهم، على قلّتها، وتركها مجهولة أساساً. «ففي بيروت لا نعرف غير معهد بئر حسن الفني وثانوية جبران غسان تويني الرسمية لنوجّه المعوقين إليهما، لذلك تواصلت مع وزير الشؤون وطلبت منه إيداعنا لائحة باسم المدارس الـ 70 التي جهزتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة»، بحسب رئيسة الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركيا سيلفانا اللقيس. عندما تسمع عائلة ما بمكان مركز إيواء دامج تقصده لتجده مكتظاً بالعائلات، ومن غير الممكن أن تطلب منها إخلاء الغرف خاصة أن هناك حتى الآن نازحين يفترشون الشوارع بانتظار غرفة شاغرة في أحد المراكز. «وعندما قصدنا مهنية صيدا الرسمية المجهزة لاستقبال الأشخاص المعوقين، كان رد المدير المسؤول أنه يحتاج لإخلاء 12 عائلة لاستقبال معوق واحد»، كما تنقل اللقيس. المؤسسة الوحيدة التي بادرت وتواصلت مع الجمعيات لاستقبال النازحين المعوقين مع عائلاتهم هي مؤسسة نازك الحريري في عرمون والتي «استقبلت 150 شخصاً معوقاً إلى الآن، على أنّ المشكلة في العدد المحدود الذي يمكنها استيعابه». غيرها من مؤسسات الرعاية ودور العجزة اعتذرت عن عدم استقبالهم، ومنها من «تعاطت بطريقة سيئة معنا، وإحداها طلبت ألف دولار في الشهر لتستقبل شاباً مقعداً ليس لديه معاون شخصي».

مؤسسات رعاية اعتذرت عن عدم استقبال نازحين معوقين وأخرى طلبت 1000 دولار شهريا عن كل نازح

إلى جانب تواجدهم في مراكز غير دامجة، نزح معوقون من دون كرسي متحرك، أو سماعة للصم، أو عكازة... ويعاني عدد كبير منهم من تعطّل نظام الخدمات الصحية والاجتماعية التي يحتاجونها، «فهناك أدوية إذا لم يحصلوا عليها تسوء حالتهم بسرعة، فيما العلاجات التي كانوا يتلقونها في المراكز أو في منازلهم كلها توقفت، وتغيب الكهرباء عن أغلب المراكز ما يعطل أجهزة توليد الأكسجين»، كما يقول الناشط في مجال الإعاقة إبراهيم عبد الله. هذه التحديات ناقشتها ثماني جمعيات للإعاقة في اجتماع عقدته الجمعة الماضي، ورفعت تقريرها إلى منظمة العمل الدولية بناء على طلب الأخيرة. وتعلم هذه الجمعيات أن التحدي الأهم هو غياب الموارد المالية للتحرك وإحصاء عدد الأشخاص المعوقين في مراكز الإيواء وتوزعهم وتحديد احتياجاتهم في المرحلة الأولى. وعليه، اجتمعت الجمعيات بعدد من المنظمات الدولية من بينها برنامج الغذاء العالمي والصليب الأحمر الدولي والهيئة الدولية للتأهيل للتباحث في دعم المجتمع الدولي المطلوب لتأمين احتياجات النازحين المعوقين. و«كان اجتماعا أوليا، غابت عنه أي جهة رسمية، ناقشنا خلاله الأفكار والتحديات في العموم، واتفقنا على المواكبة والديمومة من خلال تثبيت كل يوم اثنين للاجتماع والمتابعة وتوزيع المهام من خلال إنشاء نقاط ارتكاز في المناطق»، بحسب عبد الله الذي حضر الاجتماع، ناقلاً «إبداء المجتمع الدولي اهتماماً للمساعدة وجدية في التعاطي لجهة تأمين الأجهزة، وتجهيز المراكز، وتوزيع الحصص الغذائية، أكثر من استعداده في بداية الحرب على غزة وجنوب لبنان».

بالإضافة إلى مآسي الأشخاص المعوقين داخل مراكز النزوح، لا يمكن إغفال كيف وصل هؤلاء إلى مراكز الإيواء «بشق الأنفس»، فيما بقي بعضهم الآخر عالقاً في منزله، يسمع أصوات القصف وينتظر «حلم الله» ليخرج منه. تروي اللقيس في هذا الإطار عن «شخص لديه شلل دماغي توفي والداه خلال الحرب وظلّ عالقاً في منزله في الناعمة، وآخر يختبئ في شاحنة تحتوي على الحديد في البقاع الأوسط». وهذا كله طبيعي جدا طالما أسقطت الحكومة ذوي الإعاقة من حساباتها تماماً عندما وضعت خطة طوارئ نهاية تشرين الأول الماضي لتنسيق مواجهة مخاطر الحرب. لكن، «هذا الوقت ليس العتاب بل الدعوة إلى تحمل مسؤوليتها تجاه هذه الفئة، والتنسيق بينها وبين المجتمع المدني بانتظام، والعمل على آلية واضحة ومحددة للتحرك، للوصول إلى الأشخاص المعوقين أولاً وتأمين احتياجاتهم الفعلية ثانياً».

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد