«أنباء عن إقالة دانيال هاغاري وتعيين إبراهيم عيسى بدلًا منه». كانت هذه إحدى النكات التي ألقاها الناشطون المصريون على فايسبوك، للتعبير عن غضبهم من التناول الإعلامي المصري للاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، وأيضًا العدوان المستمرّ على غزة منذ أكثر من عام.
تركّزت النكات والانتقادات بمعظمها على إبراهيم عيسى كونه الأكثر انتشارًا وتأثيرًا. لكنّ مراجعةً سريعة لتناول الإعلاميين المصريين لما يجري في بيروت وجنوب لبنان منذ تفجيرات البيجر، يكشف ما تريده العقلية التي توجه الأبواق المصرية التي انقسمت ما بين «شامتة» و«صامتة».
الصامتون هم كل المحسوبين رسميًا على شاشات «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» المملوكة للاستخبارات المصرية. والصمت هنا صمت إجباري كون كل برامج «التوك شو» على قنوات «المتحدة» متوقفة منذ مطلع تموز (يوليو) الماضي من دون أي بوادر لعودتها قريبًا أو تقديم أي تفسير للجمهور الذي لم يسأل أصلًا عن الغائبين، اللهم باستثناء لميس الحديدي، فيما أسماء مثل يوسف الحسيني وأسامة كمال وقصواء الخلالي ورامي رضوان نُسيت كأنّها لم تكن.
باقي القنوات غير التابعة إداريًا لـ «المتحدة»، لم تخالف الخط العام الذي تعبّر عنه أصوات النظام في منشوراتها على فايسبوك. وبالعودة إلى أداء أسماء مثل أحمد موسى عبر شاشة «صدى البلد» ونشأت الديهي عبر قناة TeN، نلاحظ أنّ الخطاب يكاد يكون متطابقًا: شماتة في المقاومة والكلام عن أنّ «طوفان الأقصى» كان مغامرة غير محسوبة العواقب أدت إلى قطع يد المقاومة اللبنانية على حد وصف الديهي الذي أضاف قائلًا: «انطفأت أنوار بيروت»، فيما استغل موسى الانهيار في الخدمات بسبب النزوح، ليعيد تذكير المصريين بأنّ أي ظروف اقتصادية صعبة يعيشونها هي أفضل كثيرًا مما يجري في غزة وبيروت.
الشعار الذي أطلقه رجال النظام المصري فور تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم «احنا أحسن من سوريا والعراق» تطوّرَ ليصبح «احنا احسن من غزة وبيروت». كل التناول الإعلامي يهدف إلى تهدئة الرأي العام المصري على المستويين الاقتصادي والسياسي. من الناحية الاقتصادية، يريدون تأكيد أن أي شيء مقبول طالما أنّ الأمن مستتب، وسياسيًا تأكيد أن المقاومة لن تفضي إلى شيء، وأنّ موقف مصر مما يجري في غزة والنأي بالنفس منذ إغلاق معبر رفح بالتأكيد أفضل مما تفعله إيران واليمن و«حزب الله» حيث الإسناد عاد على الجميع بهجمات إسرائيلية.
وسط كل هذا، بالغ الإعلاميون في الاحتفال بذكرى حرب أكتوبر الـ 51 لرفع الروح المعنوية للناس الذين انتشر بينهم سؤال «الدور على مين؟» بعد الذي جرى في بيروت وطالت النيران الإسرائيليية الشام واليمن. شيزوفرينيا من نوع خاص أصابت الإعلام المصري المطالب بالاحتفال بنصر مجيد، وفي الوقت نفسه حثّ الناس على عدم التفكير في المقاومة أو الخوف من عدو غاشم لا يتوقّف عن التنكيل بكل الجيران وتحييد الجارة الكبرى.
الأمر لم يختلف كثيرًا على القناة الناطقة باللهجة المصرية والممولة من المملكة السعودية «إم. بي. سي. مصر». عمرو أديب خرج «يولول» حرفيًا على ما يجري في بيروت، لكن لا إدانة، لا شجب، ولا مطالبة بتحرك عربي عاجل وحاسم، ولا حتى حملات دعم وجمع تبرّعات رغم أنّ مطار رفيق الحريري ما زال يعمل، وحجّة «المعبر المغلق» لم تعد حاضرة كما حدث مع أهل غزة الذين نسيهم الإعلام الصامت والشامت المنطلق من المحروسة.