أليسار؛ سيدة فلسطينية كانت تسكن بالقرب من المكان الذي استشهد فيه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في غارة إسرائيلية غادرة في 27 أيلول الماضي.
جاءت أليسار تبحث عن منزلها؛ فوجدت البناية الواقعة إلى الشرق من المهنية العاملية قد غاصت في بطن الأرض. لم تكن لتغادر من دون أن تحاول الوصول إلى منزلها. تخطت ركام الطوابق نزولًا بين حيطان مكدّسة وسقوف مائلة وغرف نوم تستريح عليها الحجارة والغبار. كانت تنزل طابقا بعد آخر؛ وكأنّها تعبر نحو مركز الزلزال.
لم تعثر على منزلها. كانت ترى صورة السيد نصرالله أينما نظرت، وتسمع صدى صوته يأتي من قعر الأرض. وعندما وصلت إلى بيتها كان السقف قد طحن كل شيء. ليس في البيت سوى انعكاس لخيطان نور الشمس تبحث عن وجوه غادرت تحت دوّي الموت. كان شعاع النور يتوارى ويترك خلفه وجهًا مبتسمًا بوعد النصر.
لم تستطع أن تنقذ من منزلها سوى ذكريات محطمة... ليتها كانت تعلم أن السيد نصرالله كان بجوارها في ذلك المساء عندما قتلته الطائرات.. ليتها كانت تستطيع أن تفديه بنفسها.. أن تلتقط أطنان الصواريخ بيدها.. لو كانت تعلم أنه جارها لكانت حارسه أو درعه، أو خادمه. لكانت قرأت آية الكرسي وقالت: "يا رب تحميه"..
ثبتت أليسار دموعها على أطلال منزلها؛ وعادت تشقّ طريقها صعودًا بين الركام العظيم...
ضاعت في الصعود كما تاهت في النزول... وصلت إلى سطح بناية يرتفع قليلاً عن مستوى الطريق. وقفت تتنفس رائحة البارود.. رفعت رأسها إلى الأعلى؛ نظرت نحو الشرق، رأت الأخدود الكبير.. المكان الذي ارتفعت منه روح السيد نصرالله إلى السماء.
ظلت أليسار تبكي على السيد نصرالله ثلاثة أيام، وستبكيه إلى أخر العمر.
لم تصدق أنه استشهد. تخنقها أنفاسها كلّما حاولت أن تضع أمام اسمه كلمة شهيد..
لم يمت السيد.. نحن الذين رحلنا إلى حتفنا.