منذ إطلاق سراحه من المعتقلات الإسرائيلية، في صفقة التبادل في العام 2011، التي عرفت باسم عملية "الوفاء للأحرار"، وعد يحيى السنوار جميع الأسرى الفلسطينيين بالإفراج عنهم في عملية وفاء لصبرهم وتضحياتهم.
هذا الوعد ما يزال ساريًا بالرغم من استشهاده الذي لا يشكّل إلغاء لهذا الوعد، حيث أثبتت التجارب السابقة بأنّ اغتيال قيادات المقاومة لا يزيدها إلا قوة وإصرارًا وقدرة على التكيّف مع التكاليف الكبيرة التي تتكبدها منذ بداياتها حتى اليوم.
كما أثبتت المقاومة، في لبنان وفلسطين، قدرتها على مواصلة القتال وتحقيق الإنجازات في الميدان حتى بعد استشهاد شخصيات ورموز قيادية قوية ومؤثرة حيث لم يؤدِ اغتيالهم إلى إنهيار القدرات القتالية؛ بل إلى إيقاع المزيد من الخسائر البشرية في صفوف جيش الاحتلال.
لن تستطيع هذه الاغتيالات فرض ما يُسمى "الشرق الأوسط الجديد"، عبر ما يُسمى بالنصر التكتيكي الذي يتحدث عنه قادة جيش الاحتلال كونه لا ينفي حقيقة وحتمية الهزيمة الاستراتيجية التي سيُمنى بها الاحتلال في هذه الحرب. إذ يتوّهم بنيامين نتنياهو، ومعه الإدارة الأمريكية، بقدرتهم على إعادة ترتيب المنطقة من جديد بما يتناسب ومشروع الهيمنة والسيطرة الذي يؤدي فيه كيان الاحتلال الإسرائيلي دورًا وظيفيًا ويكون فيه بمثابة الحاكم العسكري للمنطقة، للقضاء تاليًا على القضية الفلسطينية عبر ضم الضفة الغربية وتهجير الفلسطينيين وتوطينهم بعد إضعاف المقاومة في فلسطين ولبنان.
لكنّ هذا الترتيب يصطدم بترتيبات المقاومة في الميدان الأقدر على الحسم وتغيير وجه الشرق الأوسط بانتصار المقاومة على العدوان والمخططات والمشاريع الأمريكية والإسرائيلية. هذه المشاريع لن تمنع المقاومة من الحفاظ على قوتها والقيام بواجبها دفاعًا عن الأرض والإنسان وتحمل مسؤولياتها بمواجهة ترتيب الشرق الأوسط الجديد الذي يهدد الوجود والمستقبل والحقوق.
لقد تحمّل يحيى السنوار المسؤولية بجدارة من أجل المسجد الأقصى وحرية الأسرى، وفي مواجهة حرب الإبادة الوحشية التي تستهدف طرد الشعب الفلسطيني من أرضه ومحو الذاكرة والمكان والتراث برواية حاقدة ومدججة بالأسلحة الفتاكة وإيديولوجيا التوسع والتهويد والإستيطان. ولكن يحيى السنوار واجه هذه الرواية عبر المقاومة وفعل البطولة والصبر الصمود والعيون الحاسمة بالوفاء للأحرار وتحقيق الانتصار عبر كسر قيود الاحتلال وجبروته.
وإذا كان السنوار قد رحل؛ فإنّ عهده سيبقى والعهود وفاء.