أقدمت السلطات الجزائرية، منذ يوم الأربعاء الفائت، على تفتيش مكتبات وسحب كتاب "الجزائر اليهودية: أنا الآخر الذي أعرفه قليلًا" للكاتبة هادية بن ساحلي، بعد منع ندوتين كانتا مقرّرتَين اليوم الخميس وبعد غدٍ السبت لبيعه بالتوقيع.
يأتي ذلك في أعقاب ضجّة حيال السماح بطبع وبيع الكتاب في وقت يتّسم بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة ولبنان، خصوصًا أنّ من كتب مقدّمته هي الكاتبة الفرنسية الإسرائيلية والمجنّدة السابقة في جيش الاحتلال الصهيوني فاليري زيناتي، التي سبق أن نشرت في العام 2002 كتابًا بعنوان "عندما كنت مجنّدة".
هذا؛ وقد استجوبت السلطات مسؤولين في "دار فرانز فانون"، التي نشرت الكتاب ومسيّر "مكتبة شجرة الأقوال" في الجزائر العاصمة عن نشر الكتاب وتوزيعه وتنظيم الندوة، وامتدّت الاستجوابات أيضًا إلى لجنة إسناد الترقيم في "المكتبة الوطنية الجزائرية" لتحديد المسؤوليات حول السماح بطبع وتوزيع الكتاب بهذا العنوان المثير للجدل وعدم التحفّظ عليه.
من جهتها، قرّرت وزارة الثقافة الجزائرية تشكيل ما سمّته "لجنة يقظة"، بينما كان النائب في البرلمان عن الكتلة النيابية لـ"حركة البناء الوطني"، زهير فارس، قد وجّه تنبيهًا إلى وزيرة الثقافة صورية مولوجي رأى فيه أنّ السماح بهذا الكتاب وتنظيم لقاءات بشأنه "يُعدّ في نظر الجزائريّين الأحرار الغيورين على مبادئهم الثورية الواقفة مع القضايا العادلة في العالم، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، شكلًا صريحًا من أشكال التطبيع الثقافي مع الكيان الصهيوني الغاصب... خاصّةً وأنّ كاتبة مقدّمة الكتاب تحمل جنسية الكيان الصهيوني، وكانت في وقت ليس ببعيد مجنّدة في جيش هذا الكيان".
لقد كانت "مكتبة شجرة الأقوال" في الجزائر العاصمة و"مكتبة الشيخ" في مدينة تيزي وزّو أعلنتا إلغاء لقاءَين لبيع الكتاب بالتوقيع بحضور الكاتبة، بعد الضجّة التي أُثيرت بشأن ذلك. وما عزّز الشكوك بشأن توقيت طرح الكتاب للنقاش، بحسب البعض، هو التزامن مع نشاط سيُعقد في مدينة أسدود في فلسطين المحتلّة في الثلاثين من تشرين الأوّل/ أكتوبر الجاري، حيث يعتزم مستوطنون "إسرائيليون" كانوا يعيشون في الجزائر أو لهم صلات تاريخية بها عقد مؤتمر حول ما يزعمون أنّه "تراث يهود الجزائر الثقافي".
في هذه الأثناء، تواصلت ردود الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي عن نشر الكتاب وطرحه للنقاش في هذا التوقيت. وفي هذا السياق؛ رأى الكاتب احميدة العياشي أنّ "توقيت الندوة سيّئ ويدل على الغباء أو سوء النيّة، حتى وإن كان الكتاب يتعلّق بجانب من جوانب الذاكرة الجزائرية المركّبة والمعقدة، وحتى وإن كان يخلو من أيّ توجُّه سياسي"، متسائلًا: "كيف نطرح ندوةً حول تاريخ اليهود في الجزائر في الوقت الذي يُباد فيه الفلسطينيّون بشكل غير مسبوق؟". وأضاف أنّ الندوة: "لا تصبّ من حيث دلالتها السيميولوجية إلّا في الاتجاه الذي ظلّ يُقدّم اليهود في العالم وفي المنطقة الاسلامية كضحايا، وأنّ النقاش اليوم يجب أن يكون إحياءً لفكر وروح المقاومة".
من جهته، رأى الكاتب واسيني الأعرج أنّه لا يمكن محاكمة كتاب من دون الاطلاع عليه، مضيفًا أنّ "الإقصاء لا يصنع ثقافة ولا أدبًا. وكثيرًا ما يكون المفعول عكسيًا، لأنّ ردّ فعل غير ثقافية وغير مؤسّسة تثير فضول القرّاء الآليّين، فيركضون نحو الكتاب، لا لقراءته، ولكن لردمه من دون قراءة مسبقة".
في حوار صحافي سابق، دافعت هادية بن ساحلي عن كتابها الذي صدر في فرنسا أوّلًا، وقالت إنّ ليس هناك أيّة علاقة للعمل بـ"الصراع في فلسطين"، قائلةً: "أتناول جانبًا من جوانب التاريخ كونه أحد الحقائق التي يجب وضعها في سياق الزمان والمكان، في قلب الأحداث التي ميّزت تاريخ الجزائر، وليس من خلال قراءتها في ظلّ الصراعات العالمية الحالية".