قدّمت المقاومة الإسلامية، يوم الاثنين الماضي، حصيلة إجمالية لخسائر العدو منذ بدء الهجوم البري الذي أطلق عليه تخفيفًا اسم "المناورة البرية"، ذكرت فيه أن عدد قتلى العدو خلاله بلغ 75 قتيلًا وعدد الجرحى نحو 750، ولا تشمل الخسائر المصابين في الخطوط الخلفية للعدو داخل مستوطناته.
في اليوم التالي، كشفت وزارة حرب العدو أن 900 عسكري أدخلوا الى المستشفيات منذ بدء الهجوم البري على لبنان، فضلًا عن 33 قتيلًا سقطوا خلال المعارك.
يتضح من خلال المقارنة بين الحصيلتين:
- إنّ عدد المصابين، في جيش العدو، والذي أوردته وزارة حربه هو أكبر ممّا قدّرته المقاومة. وهذا دليل مصداقية في بيانات المقاومة التي تقدّم وقائع يرصدها مقاتلوها في الميدان. فقد حافظت المقاومة، طوال تجارب الصراع مع العدو، على صدقيتها ولم تبدّل في الأمر من أجل مكسب إعلامي أو رفع المعنويات، بالرغم ممّا أصابها من ضربات في الآونة الأخيرة.
- إنّ عدد القتلى في جيش العدو، وفقًا للبيان الرسمي لوزارة حربه، كان أقل بمقدار الثلث تقريبًا مما تحدّث عنه بيان المقاومة. وعلينا أن نأخذ بالحسبان أن العدو "يتقشف" في إعلان خسائره من القتلى نظرًا إلى الحاجة إلى حشد قوات من الاحتياط في المعركة البرية. ومعروف أن التطرق إلى وقوع قتلى يوميًا قد يؤدي إلى نفور جنود الاحتياط من المشاركة في الحرب بسبب ما يمثله لبنان من ذكريات أليمة عند الجنود الإسرائيليين في ما مضى. كما أن تناول الخسائر الواقعية هو أحد المعايير المهمة في تقويم نتائج الحرب حاليًا ولاحقًا. ولهذا، لاحظنا في الأيام الأخيرة عودة إلى "التقنين" في الحديث عن قتلى جيش الاحتلال.
ما يعزز الاعتقاد أن خسائر العدو خلال هذا الشهر كبيرة، ولا تقاس بحجم التقدم المحدود الذي أحرزه العدو على الأرض؛ حيث لم تتمكّن قواته من السيطرة على قريةٍ بالكامل حتى لحظة كتابة هذا المقال، أن الدوائر العسكرية الإسرائيلية بدأت تتحدث عن الرغبة في إنهاء الحرب البرية على لبنان، خلال أيام أو أسابيع، بدعوى أنه حققت أهدافها المرسومة. هذا علمًا أن الهدف الأساسي المعلن، وهو إعادة المستوطنين الى المنطقة الحدودية في الجانب الفلسطيني المحتل، ليس ممكنًا الآن ولا في المستقبل بسبب "عدم حل المشكلة الأمنية"، بحسب رئيس بلدية كريات شمونة. على أنّ المحلل العسكري، في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أمير أورن رأى أن الإعلان عن تسوية مع لبنان بشكل مفاجئ هو "خدعة". ومعلوم أن نتنياهو يعمل مع الأميركيين على صياغة وقف مؤقت لإطلاق النار مع غزة، فأرسل موفديه الى الدوحة لهذه الغاية، وربما يراهن أن عملية تبادل محدودة للأسرى يمكن أن تحقق له أهدافًا عدة من جملتها إسداء خدمة مدفوعة سلفًا للأميركيين، وتحديدًا للديمقراطيين، قبل أيام قليلة من الانتخابات الرئاسية المقررة في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل. كما أن ذلك يساعد، من وجهة نظره، على التوصل إلى وقف للنار في لبنان يعيد المستوطنين إلى الشمال الفلسطيني، من دون أن ينهي الحرب في غزة.
في هذا السياق؛ يمكن القول إن الميدان في جنوبي لبنان يتحرك بوتيرة لا تتناسب وتخطيط جيش العدو لإنشاء منطقة أمنية عازلة داخل الأراضي اللبنانية، فقد اضطر مرات عدة، في هذا الشهر، للتراجع تحت وطأة ضربات المقاومة التي تعمل لمنع جنوده من الاستقرار على الأراضي اللبنانية.
بناءً عليه؛ قد نشهد في المرحلة المقبلة، والمتبقية من العمر الافتراضي للهجوم البري الصهيوني، وقد بدأنا نشهد ملامح ذلك، تكثيفًا للغارات الجوية على المناطق المأهولة في محاولة لإرغام لبنان على الانصياع لشروط الاحتلال. بمعنى آخر، يسعى العدو إلى تحقيق "انتصار"، عن طريق الجو، ما لم يستطع بلوغه عن طريق حشد خمس فرق برية.