(من كتاب الحرب الأخيرة)
- انتفضَ بعض رؤساء الدول وتحرّك المسؤولون، سوف يتمّ إنقاذكم لا تقلقوا.
قال الخطيب في شرذمة من اليهود الغاضبين.
- يجدر بهم ذلك. فنحن نتعرض للظلم بهذه القرارات الجائرة.
صرخ أحد المتشددين بصوته الأنكر.
الحرب تدقّ طبولها والجيوش تتهيأ في الجبهات والمحاور
محادثة بغاية السرية
- أجل سوف يتحرك القطار مساء الجمعة منطلقًا من فرانكفورت.
- حسنًا جيد. اجمع ما استطعت من اليهود خاصة الأغنياء منهم في هذا القطار.
تحرّك القطار في الموعد المحدد، بعشرات المقصورات المحتشدة باليهود المهاجرين، قطع الحدود الدولية، وقبل دخوله البلد المقصود يأتي اتصال هاتفي بمسؤول المحطة الأولى بعد الحدود.
- نعم سيدي أنا مسؤول المحطة، تحت أمرك.
- اصعد إلى القطار فور توقفه، واطمئن على الركاب المسافرين، وأمّن لهم كل ما يحتاجونه فهؤلاء ضيوف بلدنا.
- حاضر سيدي. يمكنك أن تعدّ المهمة منجزة.
- أريد منك تقريرًا مفصّلًا.
- أمرك سيدي.
صعد المراقب فور توقف القطار، وتوجّه إلى المقصورة الأولى. كان هناك عدد من الأثرياء يتحدّثون في الأوضاع السياسية الطارئة. سمع حديثهم على باب المقصورة:
- سوف أبيع كل ما أملك من ذهب وأشتري السلاح، فمناجم الذهب نحن أحق بها ويجب أن نسيطر عليها ولو بالقوة.
انتقل المراقب إلى المقصورة الثانية. هناك جُمعت الحقائب فوق بعضها البعض لتصبح طاولةً، ثم صُفّت فوقها أوراق القمار. سمعهم يتحدّثون وهم يلعبون:
- ماذا تعرف عن المدينة التي نتوجه إليها؟!.
- ليس الكثير ولكنها مدينة مهمة.
- المهم أن يكون هناك فقراء.
- أجل بالتأكيد، سوف نقرضهم المال كالعادة، ونجمع الفوائد السهلة ثم نفقرهم ونجعلهم يرهنون حتى ملابسهم ... ثم نستولي على كل شيء كما فعلنا في المدينة السّابقة.
- بل سنسيطر على البلاد كلها .. ها ها ها
عقد المراقب حاجبيه غضبًا مع سماعه تلك القهقهة، وابتعد نحو المقصورة الثالثة. كانت أشبه بكازينو، حيث قام رجل ذو شعر طويل مجدول يرقص ويسكب على نفسه الخمر والباقون يشربون ويضحكون.
تحرّك المراقب نحو المقصورة الرابعة وهو مكشّر الوجه اشمئزازًا من الروائح الكريهة.
- وكأنه لم يستحم أحد من ركاب القطار منذ شهور. حدّث نفسه.
اصطدم بفتاة شبه عارية تدور بميوعة صوتها من رجل إلى آخر عارضةً جسدها بإغراء منفّر.
مسح المراقب عرقه بالرغم من برودة الطقس، ووصل إلى المقصورة الخامسة. وجد مجموعة من المتدينين يضعون القبعات الصغيرة على وسط رؤوسهم، ويحملون كتابهم المقدّس. استبشر المراقب وجلس بالقرب منهم يستمع. ظنّوه يهوديًا فتابع كبيرهم يتلو ما في الكتاب الذي يحمله بين يديه بعناية:
- نحن الشعب المختار.. وباقي الناس دوابّ خُلقوا لخدمتنا وإلا فمصيرهم الموت المحتّم. نحن العنصر الأرقى الممتاز الذي يجب أن يسود على الأرض. سوف نسيطر على العالم كما وعدنا إلهُنا ولهذا سوف نستخدم كل الوسائل ...
شرد ذهن المراقب، وعادت ذاكرته إلى كتابٍ قرأه يومًا ما عن تاريخ اليهود ..
- صحيح إذًا ما جاء في الكتاب .. يفتعلون الحروب وينشرون المجون والفساد.. كان يحدّث نفسه عندما قطع تفكيره صوت اليهودي يرتفع عند جملة:
- وأهم من كل هذا سوف نبني دولتنا الكبرى من النيل إلى الفرات.
نهض المراقب مذعورًا، ونزل من القطار حتى من دون أن يكمل جولته على المقصورات المتبقية.
انتظر في مكتبه وهو يرتجف. بدأ القطار يتحرك مجددًا. كان ينظر إلى القطار بخوفٍ وقلق وهو يعبر المحطة باتجاه وطنه. أيقظه من ذهوله رنين جرس الهاتف. رفع السماعة :
- ألو .... نعم سيدي.
- حضرة المراقب هل لديك تقرير مختصر؟.
- أجل سيدي.
- حسنًا .. إنني أستمع.
- سيدي !!! لا أعرف كيف أصف الوضع ...
سيدي ..
إذا كان هناك محرقةٌ فعلًا ...
فيجب إعادة القطار إليها ... فورًا.