وقّع أكثر من 230 صحافيًا وسياسيًا وناشطًا في المجال الإعلامي، بينهم 101 في "بي بي سي"، رسالة استنكروا فيها انحياز المؤسسة البريطانية إلى جانب "إسرائيل" وتجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم، والفشل في تقديم تغطية "عادلة ودقيقة" للعدوان المتواصل على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
طالب موقعو الرسالة الموجهة إلى المدير العام لـ"بي بي سي" تيم ديفي، وبينهم الوزيرة البريطانية السابقة سعيدة وارسي والمؤرخ ويليام دالريمبل والممثلة المناصرة للفلسطينيين جولييت ستيفنسون، المؤسسة بتقديم تغطية لما يحدث في غزة "من دون خوف أو محاباة". ولم يكشف موظفو "بي بي سي" الموقعون على الرسالة عن هوياتهم. كما طلبوها بتوفير سياق "لما قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023" في تغطيتها للعدوان على غزة، والتوضيح حين: "لا تتوفر أدلة كافية لدعم الادعاءات الإسرائيلية"، وذكر أن "إسرائيل هي الجانية صراحة في العناوين حين تكون كذلك". وأضافوا أن "كل تقرير تلفزيوني ومقال ومقابلة إذاعية فشلت في مواجهة الادعاءات الإسرائيلية ساهمت منهجيًا في تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم".
كما وقع على الرسالة الكاتب في صحيفة ذا غارديان أوين جونز، ومديرة مركز مراقبة وسائل الإعلام في المجلس الإسلامي البريطاني رضوانة حامد.
أدى انحياز إدارة الهيئة شبه الكامل إلى رواية الاحتلال إلى صراعات عدة بين المديرين والصحافيين والمحررين ممن يرفضون تبني المؤسسة للسردية الإسرائيلية. وفي مارس/آذار الماضي، كشف "العربي الجديد" عن وجود اعتراضات متكررة من صحافيين وموظفين بريطانيين وعرب ومن جنسيات أخرى داخل المقر الرئيسي للهيئة في لندن، احتجاجًا على تغطيتها العدوان على قطاع غزة.
أما في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فنشر موقع "بي بي سي" الإنكليزي تقريرًا عنوانه "داخل منطقة القتال الإسرائيلية في جنوب لبنان" من إعداد مراسلتها في القدس المحتلة، لوسي ويليامسون التي رافقت جنود جيش الاحتلال إلى داخل القرى اللبنانية المتاخمة للحدود من أجل تغطية الاشتباكات مع مقاتلي حزب الله اللبناني. وإثر تقرير ويليامسون من داخل الحدود اللبنانية، علم "العربي الجديد" من مصدر في "بي بي سي" بتوجيه سبعة موظفين لبنانيين رسالة احتجاج إلى الإدارة، بينما أعلن ستة من هؤلاء توقفهم عن العمل احتجاجًا على "خرق بي بي سي للمعايير المهنية والقانون الدولي وتعريض سمعتنا وسلامتنا للخطر". إضافةً إلى ذلك، بعث مراسلو الهيئة الأجانب في بيروت رسائل احتجاجية إلى الإدارة، اعتراضًا على "تعريض سلامتهم للخطر".
بعد وقتٍ قصير من بدء العدوان على قطاع غزة، تزايدت الانتقادات الموجهة إلى هيئة الإذاعة البريطانية من صحافيين وأكاديميين اعترضوا على ما وجدوه انحيازًا إلى الاحتلال الإسرائيلي وتبنيًا لروايته للأحداث.
لكن ذلك لم يغير في مسار القناة المنحاز، إذ تعرّض الصحافيون المناصرون للفلسطينيين لحملات كراهية وتحريض منظمة من مؤيدي الاحتلال. أدى ذلك إلى إيقاف عدد من الموظفين مؤقتًا عن العمل وإخضاعهم للتحقيق بحجة كتابة منشورات متعاطفة مع عملية طوفان الأقصى على منصات التواصل الاجتماعي، قبل أن تعيدهم إلى العمل. فيما استقال عددٌ آخر من الصحافيين احتجاجًا على تغطية "بي بي سي" للأحداث. في الوقت نفسه، لم تتحرّك إدارة "بي بي سي" لمحاسبة، أو حتى لمجرد التحقيق، مع صحافييها المناصرين للاحتلال ممّن نشروا تغريدات وصورًا تعبّر عن دعمهم لجيش الاحتلال الإسرائيلي وحرب الإبادة التي يشنها على غزة.
في سبتمبر/أيلول الماضي، كشفت "ذا غارديان" أن "بي بي سي" أخّرت إطلاق نداء إنساني من أجل غزة أعدته لجنة إدارة الطوارئ والكوارث (DEC). بحسب الصحيفة البريطانية، رأت "بي بي سي" أن النداء لم يستوف كل المعايير المطلوبة للبث، ولكنها أبقت القرار "قيد المراجعة"، في الوقت الذي وافقت فيه قنوات أخرى على بث النداء. واتُّهمت "بي بي سي" آنذاك بأنها "عرقلت" إطلاق النداء خوفًا من ردود فعل عنيفة من جانب مؤيدي الاحتلال. كما صرّح أحد كبار الشخصيات في منظمة غير حكومية لم تسمها "ذا غارديان" أن الموظفين "غاضبون" من موقف "بي بي سي".
عدا عن ذلك، اتهمت مراجعة "بي بي سي" بانتهاك مبادئها التحريرية الخاصة بالنزاهة أكثر من 1500 مرة خلال ذروة العدوان، وكشفت عن "نمط مقلق للغاية من التحيز".