* علي عبادي كاتب وإعلامي/ موقع أوراق
بصرف النظر عن نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية، يبدو جليًا أن الحزبين اللذين يحتكران الحياة السياسية في الولايات المتحدة يحاولان تجديد شبابهما من دون طائل.
الحزب الجمهوري لديه أزمة قيادة، وداخله تكمن حركة متشددة تنحو باتجاه اليمين العنصري. إذ إنّ دونالد ترامب جاء من خارج المؤسسة الحزبية، واستطاع مع ذلك استقطاب تأييد هذا التيار. وما يزال الحزب الجمهوري رهين مزاج ترامب بالرغم من "الفاول" الكبير الذي ارتكبه في التحريض على اقتحام الكونغرس بعد انتخابات العام 2020، والذي عدّ على نطاق واسع جناية قانونية مانعة لممارسة الحياة السياسية في المستقبل، ويجري الآن إعادة تبييض ملف ترامب لكي يحكم أمريكا أربع سنوات أخرى.
أما الحزب الديمقراطي، والذي يعاني هو الآخر شيخوخةً مزمنة، فقد اختار مرة أخرى تجاهل قاعدته الانتخابية. إذ سبق أن خسر الحزب الحكم عندما رشح هيلاري كلينتون في العام 2016، وصمّ الآذان عن الاستماع لقواعده الشابة التي رفضت الانقياد لمصالح الطبقة الرأسمالية المهيمنة؛ فرشّح في العام 2020 الهرِم جوزيف بايدن. ولم يربح بايدن السباق بشطارته؛ بل بسبب نقمة الجمهور الأميركي على ممارسات ترامب وتحريضه على النزاع بين الشرائح العرقية.
لولا ذلك، لكان من الصعب أن يصل بايدن إلى سدة الرئاسة. كما ارتكب الحزب خطأ جسيمًا بمجاراة بايدن في إعادة الترشح مرة أخرى، في العام 2024، قبل أن يكتشف أن مزاج الناخبين في استطلاعات الرأي مغاير تمامًا، فلجأ إلى استبدال حصان السباق في منتصف المعركة الانتخابية متسببًا بضرر لا يُجبَر. في هذا السياق؛ حاولت المرشحة الديمقراطية البديلة كامالا هاريس فصل نفسها عن مسار بايدن، لكن كان الأوان قد فات. فقد تورطت في تغطية سياسات بايدن الممالئة لــــ"إسرائيل" في جرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزة، ولم تتمكّن من كسب ثقة الناخبين الذين تظاهروا في الجامعات والشوارع ضد استمرار تمويل الحرب "الإسرائيلية" على القطاع.
لقد أصبح ترامب الآن رئيسًا مرة أخرى، لكن مشكلة الحزبين لمّا تُحلّ بعد، بينما يعالج الناخب الاميركي أزمته التمثيلية ورغبته في "تحقيق الحلم الأمريكي" بالهروب من الرمضاء إلى النار، وبالعكس.
في هذا الوضع؛ تبقى الولايات المتحدة عرضة لتشظيات متعددة اقتصادية واجتماعية وعرقية يتأجّل انفجارها لأسباب عدة. وتشير تقديرات إلى أنّ الحقبة الثانية من حكم ترامب ستكون عرضة لهزات داخلية بسبب ما يحمله من برنامج أحادي وتجاهله لأحلام شريحة واسعة من الأمريكيين، ولم تكن محاولة اغتياله، مؤخرًا، إلّا نذيرًا مسبقًا لتراكم دوافع العنف في المجتمع الأمريكي في ظل الطلاق الحاصل بين القيادات الهرمة وشريحة واسعة من المجتمع من جهة، واستمرار الاستقطابات السياسية الحادة من جهة أخرى. وهذا كله يكرّس شيخوخة النظام السياسي الأمريكي، في ضوء الخيارات المقفلة أمام الناخبين وإعادة إنتاج القيادات نفسها والبرامج نفسها.