* علي عبادي/ كاتب ومحلل سياسي
إذا كان انتصار حرب العام 2006 إلهيًا، فإنّ انتصار حرب العام 2024 سيكون- بإذن الله - عجائبيًا.
كُتب "انتصار تموز" والمقاومة تتوفر بين يديها أصول قوة أساسية:
- قيادة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله (رضوان الله عليه).
- وجود قيادات عسكرية أساسية الى جانبه، وعلى رأسهم القادة: الحاج عماد مغنية، السيد مصطفى بدرالدين، السيد فؤاد شكر، الحاج علي كركي، الحاج ابراهيم عقيل.
- وجود شبكة اتصالات سلكية آمنة، والاحتفاظ بالقدرة على السيطرة والتحكم حتى آخر يوم من الحرب.
لم يتمكّن العدو، خلال تلك الحرب، من ضرب هذه الأصول، بالرغم مما قام به من غارات مكثفة.
في حرب العام 2024، فقدت المقاومة مجمل عناصر القوة هذه، وكان من المقدَّر إسرائيليًا أن ضربة قاسية كهذه ستمنعها من النهوض والقتال من جديد. لعل العدو، وكل من راهن عليه، لم يعيروا انتباهًا الى أصل ثابت وأساسي يتوفر في المقاومة، وهو إيمان مجاهديها وصلابتهم التي وثّقها الميدان خير توثيق في الحرب الحالية، وكان صمودهم أمام جحافل العدو وقصفه الجوي والبري أعجوبة أعادت الى الأذهان ما سطّروه في العام 2006، لكنه اليوم يُكتب في ظروف أشد صعوبة لم تكن متصوَّرة الى الأمس القريب.
من كان يتخيّل أن المقاومة ستسجل انتصارًا على آلة الفتك الصهيونية في غياب القائد السيد نصرالله؟
هذا؛ والسيد استشهد في بداية الحرب، وليس في ظرف عادي، ما يجعل الأمور أكثر صعوبة في استيعاب ما يحصل وامتصاص آثاره. قبل سنوات عدة، سألتُ أحد الكوادر في الحزب ماذا لو تمكّن العدو من الأمين العام، كيف سيؤول وضع حزب الله؟ لم يكن لديه جواب، فقط قال: "سؤال صعب!". وأعتقدُ أن الكثيرين - وأنا منهم- كانوا يفكرون بهذه الطريقة، ذلك أن السيد أصبح جزءًا من كل مجاهد في هذه المسيرة ورفيقًا لانتصارات المجاهدين في كل ساحٍ وطأتها أقدامهم. قتالهم اليوم في غيابه يؤكد وفاءهم ونضج إيمانهم وقدرتهم على قيادتنا جميعًا الى انتصار جديد سيكون مدويًا، حتى لو شكّك الكثيرون ممن يغيظهم أن تبقى المقاومة حاضرة على سلاحها.
إلى ذلك؛ من كان يتصور أنّ تمكُّن العدو من اغتيال العديد من القيادات العسكرية الأساسية والميدانية في المقاومة، على امتداد عام من مساندة "طوفان الأقصى"، لن يترك ثغرة قاتلة في جبهة المقاومة على أرض القتال في الجنوب؟
لقد رأى العدو أن تصفية القيادات، والتي واكبت المسيرة منذ انطلاقتها ولديها الخبرة الطويلة، سيؤدي تلقائيًا إلى ضعف التنظيم، وكان مسؤولوه يفاخرون بأن تصفية هؤلاء القادة هو إنجاز له سيخلّف في المقاومة تفككًا واضطرابًا في العزيمة، ولن يقوى خلفاؤهم على الإمساك سريعًا بقيادة الجبهة المشتعلة.
أيضًا وأيضًا: من كان يتصور أن التطور التقني الذي حاز عليه العدو بدعم من كبريات الشركات التقنية الغربية، والذي أحدث خروقًا مهمة ومكّنه من تسجيل مكاسب تكتيكية غير مسبوقة، لن يسعفه في تحقيق انتصار في الميدان تاقت إليه نفسه وخطط له لسنوات طويلة؟ و من كان يتصور أن المقاومة تستطيع أن تصمد، على مدى أكثر من عام، أمام غارات العدو الجوية وقصفه المدفعي وتواجه بعدها هجومًا بريًا لأكثر من 55 يومًا، وهو إنجاز أكبر بكثير من ذلك الذي سجلته في العام 2006 من ناحية المدة الزمنية وطبيعة مسرح العمليات وحجم قوات العدو المشاركة؟ مع الإشارة إلى أنه في العام 2006 وصل العدو الى نقاط لم يستطع الوصول إليها في الحرب الحالية.
انتصار لبنان في العام 2024 على آلة القتل الصهيونية، بدعم أميركي مفتوح، هو انتصار إلهي وأعجوبة ستدرَّس في المعاهد العسكرية، وستكون له ترددات هائلة في داخل كيان العدو، تمامًا كما انتصار العام 2006، وقبله انتصار العام 2000.
من الآن، بدأ النحيب في كيان العدو على ما عدّ تخليًا من حكومة نتنياهو عن مستوطني الشمال، وقد يجرّ ذلك الى تداعيات قريبة، بشكل أو آخر، من هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. هذا والمقاومة في لبنان اتخذت إستراتيجية دفاعية طوال هذه المدة.