لم يتمكّن الفلسطينيون بعد هبة البراق في العام 1929 في القدس من إطلاق الثورة الشعبية في عموم فلسطين رغم وجود مجموعات شبابية مقاومة من مختلف الشرائح الاجتماعية اختارت الكفاح المسلّح لمواجهة العصابات الصهيونية وجيش الانتداب عبر نصب الكمائن والإغارة على المواقع والدوريات. وفي مدة الإحباط وتشديد الخناق من قبل سلطات الانتداب البريطاني من عام 1918 إلى عام 1929، جاء الشيخ عز الدين القسام، المولود في جبلة عام 1883، إلى فلسطين مرورًا بجبل عامل حيث استقبله الأهالي بحفاوة بالغة كشيخ جليل يعمل على مقاومة الصهاينة والمستعمرين. ورافق القسام في الطريق إلى حيفا عدد من أبناء جبل عامل الذين يعرفون الطريق بعيدًا من الحواجز المصطنعة والأسلاك الشائكة وتربطهم بأهل فلسطين روابط عميقة وتاريخ طويل من النضال والكفاح المشترك من أجل العدالة والحرية بمواجهة الظلم والقهر والعدوان.
لقد كانت علاقة أهل جبل عامل في تلك المدة بالمدن الفلسطينية أقوى من علاقتهم مع المدن اللبنانية خاصة صيدا وبيروت. وكان الثوار في جبل عامل وفلسطين يعملون كجناحين لحركة مقاومة واحدة وهذا ما ساعد القسام على تشكيل منظومة عسكرية تقوم على تأمين السلاح والتدريب كأولوية أولى ثم إعداد الخطط العملية وتنفيذها بسرية واحتراف.
وهذا ما أسهم في توسيع نشاط القسام ليشمل عددًا من المدن والقرى الفلسطينية والانطلاق بثورة مسلحة عمادها الشباب الفلسطيني المنظم والمدرّب. وبعد أن أسس القسام مدرسة في العمل المقاوم، أصبح رمزًا ثوريًا في وجدان القضية الفلسطينية وهو الذي استشهد حاملًا بندقيته التي كانت زاده في الدفاع عن الأرض والإنسان والمقدسات وأعطته هذه الشهادة مكانة بارزة في الأسطورة الفلسطينية المستمرة.
وبقيت هذه المكانة حاضرة بعد إطلاق حركة «حماس» على جناحها العسكري اسم «كتائب الشهيد عزالدين القسام» الذي ما زال يرعب جيش الاحتلال الإسرائيلي أكثر مما ترعبه الجيوش العربية المدججة بالأسلحة والأوسمة والنياشين.
من مدينة جبلة، صاحبة الأثر الثقافي والفكري، إلى جبل عامل وحيفا، وصولًا إلى مدينة جنين الشهادة وحكايات البطولة والفداء، ارتبط اسم مدينة جنين بالقسام بعد أن استشهد فيها، وتحديدًا في بلدة يعبد، خلال معركة أصر فيها على القتال حتى النهاية في صباح يوم الأربعاء في العشرين من شهر تشرين الثاني عام 1935 لتندلع بعدها الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936.
اليوم، وبعد مرور 89 عامًا على استشهاد القسام، ما زالت سيرته ومسيرته حاضرة في الميدان بشجاعة عالية تشكل منارة للأجيال التي تردد حتى يومنا هذا اسم القسام في القصائد والأناشيد والأغاني التراثية التي تقول:
«يا ظريف الطول وارسم يا رسام
صورة لفلسطين وصورة للقسام
وعيون الثوار والله ما بتنام
نصر يا استشهاد هذا شعارنا»
وفي القصائد يقول الشاعر عبد الرحيم محمود:
«اصهر بنارك غل عنقك ينصهر... فعلى الجماجم تركز الأعلام
وأقم على الأشلاء صرحك إنما... من فوقها تبنى العلا وتقام
واغصب حقوقك قط لا تستجدها... إن الألى سلبوا الحقوق لئام
هذي طريقك للحياة فلا تحد... قد سارها من قبلك القسام».