صدر حديثًا كتاب «البدايات والرفاق والمصائر: حوار مع جورج حبش » (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2024) الذي ظلّ مخبوءًا طوال خمس وثلاثين سنة ثم قُيّض له أن يرى النور على يدي الباحث والكاتب صقر أبو فخر الذي تولّى تحريره لغويًا وأسلوبيًا، وعلى وضع هوامشه الإيضاحية والتفسيرية، ثم كتب مقدمة وافية عن قصة هذا الكتاب. وهذا الحوار كان قد أنجزه في الجزائر عام 1989 كل من شريف الحسيني وسائدة الأسمر، ولم يتسنَ لهما نشره، فقد توفي جورج حبش في سنة 2008، ثم توفي شريف الحسيني في سنة 2011، ثم رحلت سائدة الأسمر عن هذه الدنيا في سنة 2022.
يُعدّ هذا الحوار جولة ممتعة في تجربة جورج حبش ورفاقه الأوائل الذين أسسوا معًا «حركة القوميين العرب»، ثم «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين»، وهو يدور، في جزء كبير منه، على وديع حداد وشخصيته وأدواره وخلافه مع «الجبهة الشعبية» ومع جورج حبش بالتحديد، ويتضمن تفصيلات مهمة وجديدة عن البدايات التأسيسية لـ «حركة القوميين العرب » بما في ذلك الصلة الواهية بكتائب «الفداء العربي»، وعن الرفاق الأوائل أمثال هاني الهندي ووديع حداد وأحمد الخطيب وصالح شبل وحامد الجبوري ومحسن إبراهيم وأحمد اليماني، وهؤلاء جميعًا غادروا هذه الدنيا إلى عالم الرقاد الأخير حيث يُزارون ولا يزورون.
علاوة على ذلك كله، يحتوي الحوار معلومات شائقة عن مرحلة النضال السياسي والعسكري في الأردن وسوريا ولبنان، ولا سيما «العمليات الخاصة» (خطف الطائرات) التي برع وديع حداد في تخطيطها وتنفيذها مع نفر من الشبان أمثال كارلوس، وكمال خير بك، وفؤاد عوض، وباسل كبيسي، وفؤاد الشمالي، وأنيس النقاش، وليلى خالد، وأمينة دحبور، وماهر اليماني، وكوزو أوكاموتو، وفوساكو شيغونوبو، وويلفريد بوزي وآخرين.
يعرّج الحوار على الانشقاقات التي خلخلت تنظيم «الجبهة الشعبية» بين 1968 و1972 مثل انشقاق «الجبهة الشعبية – القيادة العامة» (أحمد جبريل) ومعها مجموعة أحمد زعرور (منظمة فلسطين العربية) ثم «الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين» (نايف حواتمة)، و«الجبهة الثورية لتحرير فلسطين» (أحمد فرحان – أبو شهاب). وفي هذه الوثيقة التاريخية، نعثر على جوانب لافتة من شخصية الرئيس جمال عبد الناصر، وعلى معلومات مفصّلة عن العملية الجريئة لتخليص جورج حبش من سجن الشيخ حسن في دمشق في سنة 1968، وأسماء المشاركين فيها واحدًا واحدًا. وفي هذا الحوار، مراجعات فكرية وسياسية شتى تتعلق بالماركسية وخطف الطائرات وتأسيس «حزب العمل العربي الاشتراكي» ومجموعة «أبطال العودة» والعلاقة مع حركة «فتح» و«منظمة التحرير الفلسطينية».