يطفو ملف النزوح السوري على سطح الملفات اللبنانية، ويكثر السؤال عن تـأثره بالأوضاع المستجدة في سوريا، لجهة سقوط النظام وسيطرة الجماعات المعارضة على السلطة. ويتداول الناس بكثرة السؤال حول ما إذا كان الوقت قد حان لعودة 1.5 مليون لاجئ سوري إلى بلدهم، وهو الرقم الذي تقدره «المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR، وهو رقم تجمع المؤسسات الأمنية والاقتصادية على اعتباره أقل من الرقم الفعلي، كون المنظمة الأممية لا تحصي النازحين غير المسجلين لديها. وبينما يعوّل اللبنانيون على دور مفوضية اللاجئين في معالجة ملف النزوح، فإن المسؤولين فيها يعتبرون أن الوقت الآن هو لرصد التطورات المتسارعة على الساحة السورية، قبل إطلاق أي موقف حاسم حول برامج عملها في لبنان.
الثابت حتى اللحظة، هو أنّ مشهد دخول آلاف السوريين إلى لبنان على خلفية الأوضاع الأمنية والسياسية منذ عام 2011، لم يقابله نزوح عكسي بنفس الحجم والوتيرة، حتى بعد تطور الأحداث الأخيرة في سوريا. وهذا ما أشارت إليه مصادر المفوضية في حديث مع «الأخبار». ويرى المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي في التطورات أنها «فرصة رائعة اليوم لنشهد نهاية معاناة الشعب السوري، والتوصل إلى حلول عادلة لأكبر أزمة نزوح قسري في العالم»، لكن يبدو أنّ المفوضية لا تستعجل عودة النازحين السوريين في لبنان إلى بلدهم وربطت ذلك بالظروف الأمنية والحياتية في سوريا.
وقالت مصادر المفوضية إنها «تحترم حقّ جميع اللاجئين بالعودة الطوعية والكريمة والآمنة إلى بلدهم الأصلي في الوقت الذي يختارونه، وستدعم اللاجئين العائدين عندما تسمح الظروف بذلك». لكنها لا تزال مترددة في الحسم حول ضرورة العودة الآن، داعية الى «إمهال السوريين خلال فترة عدم الاستقرار هذه لتقييم الظروف التي سيعيشونها عند العودة، وذلك من خلال زيارات مسبقة لمعاينة الوضع على الأرض مثلاً». كذلك يبدو أن ظروف العودة الجماعية لم تتحقق بعد ربطاً بواقع الحياة في سوريا اليوم «مع وجود تدمير كبير للبنية التحتية، إضافة الى اعتماد أكثر من 90 في المئة من السكان في سوريا على المساعدات الإنسانية».
واستجابة لعودة النازحين إلى مناطقهم، سواء داخل سوريا أو من لبنان، تلتزم المفوضية «توفير احتياجاتهم الأساسية عاجلاً، وخاصة مع اقتراب فصل الشتاء، بما في ذلك من مساعدات تتعلق بالمأوى والغذاء والمياه والتدفئة». وفي هذا الإطار، تناشد المفوضية الدول المانحة «المساعدة على تأمين هذه الاحتياجات من جهة، وتسهيل عمل المفوضية داخل سوريا لتقديم المساعدات».
ومع ذلك، فإن برامج المفوضية الإنسانية لدعم اللاجئين لن تتحوّل بالكامل إلى سوريا، بل ستبقى هناك حصّة «للبلدان المجاورة التي لا تزال تستضيف ملايين اللاجئين السوريين، بما في ذلك لبنان، لذلك تمت دعوة الجهات المانحة لمدّ المفوضية وشركائها بالموارد اللازمة للاستجابة السريعة والفعّالة».
يأتي هذا الموقف «الأولي»، انطلاقاً من رصد تفاعل النازحين السوريين مع الأوضاع المستجدّة وغير المستقرة داخل سوريا، وتقييم مدى أمان عودتهم. ويمكن الحديث عن ثلاث فئات:
الفئة الأولى «متحمّسة» للعودة، وقد اتخذت عائلات قرارات سريعة بالعودة الى قراها ومدنها، خصوصاً ما يتعلق بالنازحين داخل سوريا نفسها، هذا بالإضافة الى عودة آلاف السوريين من البلدان المجاورة، بما في ذلك لبنان عبر معبر المصنع الحدودي في البقاع، في ظلّ إغلاق المعابر الحدودية الرسمية في الشمال، أو عبر المعابر غير الرسمية في مناطق مثل وادي خالد، علماً أن المديرية العامة للأمن العام اللبناني اتخذت تدابير لتسهيل العودة إلى سوريا.
أما الفئة الثانية، فهي تشمل مئات آلاف السوريين النازحين الجدد خوفاً على حياتهم، سواء داخل سوريا أو عبر الحدود. ورداً على سؤال «الأخبار» عن موقف المفوضية تجاه هذه الفئة، وهل ستشملهم ببرامجها كونهم نازحين في لبنان ولا يستطيعون العودة لأسباب أمنية أيضاً، اكتفت المصادر بالقول إنّ «المجموعتين بحاجة إلى الحماية والدعم».
أما الفئة الثالثة فتخصّ ملايين اللاجئين السوريين الذين لا يزالون خارج سوريا. وتقول مصادر المفوضية إن هؤلاء «هم الآن في حالة حذر وتردد، ويفضّلون الانتظار ومراقبة منحى تطور الأوضاع، وتقييم عواقب هذا الوضع الآخذ في التغيّر بسرعة، ومدى الأمان الذي سيكون سائداً في سوريا وإلى أيّ مدى سيتم احترام حقوقهم، وما إذا كانت الظروف آمنة والوقت مناسباً لهم للعودة قبل أن يتمكّنوا من اتخاذ قرار طوعي بالعودة إلى ديارهم».
في النتيجة، يبدو أن المشترك القوي بين النازحين والمفوضية هو ترقب الأوضاع في سوريا، وعدم استعجال عودة النازحين حتى توفر الظروف المناسبة.