* علي عبادي/ كاتب ومحلل سياسي
اِرتكب النظام السابق في سوريا أخطاء جسيمة على الصعيد الحقوقي، على غرار أنظمة عربية أخرى تعدّ الإعدام والتغييب في السجون أمرًا طبيعيًا في غياب المسافة بين السلطة السياسية وأجهزة الأمن والقضاء. وعملت البروباغندا الإعلامية العربية على تعظيم خطايا النظام السوري السابق؛ لأهداف لا تخفى:
- إراحة "ضمير" الأنظمة الراعية لهذا الإعلام الذي يسبح في مآسي شعوب المنطقة، كأنّ الكلام عن مساوئ الأنظمة الأخرى يلطّف من نكهة أنظمة التطبيع؛ حيث يجوز للأخيرة إنزال أشد العقوبات بمواطن غرّد برأي وربما تجريده من الجنسية إن رفع صوته.
- حجز مقعد للأنظمة التي ترعى الجماعات التي تمسك بالسلطة الآن في سوريا من أجل إقامة علاقات أفضل مع الحكومة الأميركية، عبر تغيير جدول الأعمال بما يريح "إسرائيل". ومعلوم أنّ هناك ضغوطًا على قطر لمراجعة علاقاتها مع حركة حماس، بينما تواجه تركيا حملة إسرائيلية بعد مواقف الرئيس رجب طيب أردوغان التي تضرب على الحافر مرة، وعلى المسمار مرة أخرى.
- تبييض صفحة الجماعات المسلحة التي قامت بممارسات إعدام ميداني وتمييز طائفي من ريف اللاذقية الى ريف حماه. وهذه الممارسات لم تتوقف حتى بعد سقوط النظام السابق، بسبب التعبئة الطائفية العلنية التي حكمت أداء هذه الجماعات منذ بداية الأزمة السورية.
- إضافة الى ذلك، عبّأت البروباغندا الإعلامية الحشود الجماهيرية بفكرة عظيمة وهي أن خطايا النظام السوري هي أشد وأقوى بمرّات من مذابح الإبادة التي يرتكبها الكيان الغاصب في فلسطين. وعليه، لم يعد مهمًا انتظار محاكمة نتنياهو أمام المحكمة الجنائية الدولية، ولم يعد مهمًا ما يحصل في غزة من تجويع ونسف للمجمعات السكنية طالما أنّ لدينا فيلمًا مشوّقًا جديدًا في صيدنايا وغيرها.
لا يمكن إغفال أن النظام السوري السابق رفض تغيير الإتجاه والتطبيع مع "إسرائيل" أو بيع المقاومة بأثمان بخسة، كما فعل النظام السوداني مثلا، بالرغم من العروض الكبيرة التي وصلته من الإمارات والسعودية وهذا موثّق. لذلك السؤال هنا : هل تُرتّب السلطة الجديدة في دمشق أمورها- وهناك إشارات على ذلك- لكي توقّع على التطبيع مع إسرائيل، بعنوان رفع الضرر المتمثل برفع العقوبات عن سوريا؟
المنطق الذرائعي الذي يحكم تفكير بعض الجماعات يجعلها أقرب إلى الأنظمة البراغماتية غير المبدئية، ولهذا لا فضيلة لها حتى لو كانت تدّعي أنها تحكم باسم الإسلام.