لا يمكن المرور على مخيمات النزوح المنتشرة في قطاع غزة، من دون ملاحظة الأحذية البالية أو المهترئة التي يستخدمها كثيرون، ظلّ بعضهم حافيًا لأوقات طويلة، إنْ بسبب الغلاء المبالغ فيه، أو ببساطة لعدم توافر الأحذية الممنوعة هي الأخرى عن الغزيين.
من بين هؤلاء، محمد المبحوح (15 عامًا) الذي نزح حديثًا من بيت لاهيا إلى مخيم النصر في مدينة غزة. يقول الفتى إنه لا يجد ما يستخدمه سوى «هذا الشبشب»، مضيفًا: «منذ سبعة أشهر، وأنا أتنقّل به من مكان إلى آخر، بعدما حصلت عليه من منزل أحد أقربائي النازحين إلى جنوب القطاع، إلّا أن كثرة النزوح والسير في طرق مدمّرة، أدى إلى اهترائه»، علمًا أن محمد وعائلته خسروا جلّ ممتلكاتهم إثر تدمير الاحتلال الإسرائيلي منزلهم الذي لم يتمكّنوا من استخراج أيّ شيء منه. وكثيرًا ما يتمنّى، كما يقول، لو أنه يشتري حذاءً يقيه برد الشتاء، مستدركًا: «سعر الحذاء وصل إلى 100 دولار، وهو ما لا تستطيع عائلتي دفعه، في ظلّ الظروف الحالية الصعبة. ولكن، أقول في نفسي: ستُفرج».
في منطقة المواصي في محافظة خانيونس، تقول الثلاثينية أم أحمد، وهي تسير حافية القدمين، إنها خرجت من مدينة غزة ولم تحمل معها سوى حذاء واحد تتنقّل به من مكان إلى آخر حتى اهترأ. وتضيف في حديث إلى «الأخبار»: «قمت بإصلاحه مرات عدّة حتى اختفى من الوجود نتيجة صاروخ غادِر دمّر الخيمة بما فيها». وتتابع السيدة التي ترعى أطفالها الخمسة بعدما استشهد والدهم، أنها لم تَعُد تمتلك سوى ما ترتديه وأطفالها من ملابس، من دون أحذية أو أغطية باستثناء «ما تفضّل به علينا بعض الجيران بعدما لجأنا إلى أحد مراكز الإيواء حتى نتسلّم خيمة بديلة لتلك التي فقدناها».
يعبّر أبو محمد المدهون (45 عامًا)، بدوره، عن استيائه ممَّا آلت إليه حاله نتيجة اهتراء حذائه. ويقول، لـ«الأخبار»: «أصبحنا نخجل من المشي في الشارع، لعدم مقدرتنا على شراء حذاء جديد بديلًا للحذاء المقطّع والمهترئ الذي أستخدمه الآن، فضلًا عن أنه لا يقيني درجات الحرارة المنخفضة ما يؤدي إلى تيبّس أطرافي». وبحذاءَين باليَين يمشي الحاج أبو عبد الله غراب، هو الآخر، وحفيده أحمد، داخل أروقة مستشفى «شهداء الأقصى»، بعدما اضطر إلى بتر أصابعه التي أصابتها «الغرغرينة». ويوضح: «نزحنا العام الماضي من مدينة غزة ولم نحمل معنا شيئًا، على أمل أن نعود خلال أسابيع، لتمتدّ الحرب وتزيد على العام. حُرمنا من كل شيء، حتى اهترأت أحذيتنا ولا نجد بديلًا منها، ما أدى إلى إصابة قدمَيّ بجروح عميقة اضطر الأطباء على إثرها إلى بتر أصابعي».
في الطريق إلى مخيم درابيه للنازحين غرب مدينة غزة، يسير بعض الأطفال بأحذية بالية أو أقدام حافية في شوارع مليئة بالحطام ومياه الصرف الصحي، ما يجعلهم عرضة للأمراض المعدية إذا ما أصيبت أقدامهم بجروح عميقة أو خدوش بسيطة. لكن بعض الغزيين لجأوا إلى حلول مؤقتة لانعدام توافر الأحذية أو إمكانية إصلاح القديمة منها. وتوضح أم بكر من أحد مخيمات النزوح في مدينة دير البلح، أنها استخدمت غالونات المياه البلاستيكية وأسلاك الكهرباء وصنعت منها أحذية لأطفالها. وتضيف: «ها قد أقبل فصل الشتاء ببرده القاسي، والذي لم يَعُد يصلح معه ما صنعَته يدي من أحذية بلاستيكية»، مشيرةً إلى أنها تفكّر في صناعة أحذية من الخشب، «لربما تكون أفضل حالًا من سابقاتها».
في هذا الإطار، يؤكد «المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان»، أن الاحتلال الإسرائيلي يمنع، منذ أكثر من عام، إدخال الأغطية والملابس والأحذية إلى قطاع غزة، في ظلّ دخول موسم برد قارس وظروف إنسانية كارثية. ويوضح، في تقرير له، أن «فصل الشتاء الثاني يدخل على الغزيين منذ بدء الحرب الإسرائيلية على القطاع، في ظلّ نقص حادّ في الأحذية التي مُنع دخولها من معابر القطاع منذ اليوم الأول للحرب، باستثناء بعض الكميات التي دخلت كجزء من المساعدات الإنسانية، والتي تمّ توزيعها على جزء صغير من النازحين الذين يبلغ عددهم نحو مليونَي شخص»، مشيرًا إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يفرض قيودًا على دخول تلك الأساسيات، في إطار سعيه إلى فرض ظروف عيش قاسية على الفلسطينيين تؤدي إلى هلاكهم الفعلي «وذلك في إطار جريمة الإبادة الجماعية الشاملة التي يرتكبها هناك».