في أحدث حلقات مسلسل BBC الطويل في فضائح انحيازها الصفيق إلى السردية الصهيونية، نشرت منصّة MintPress تقريرًا مطوّلًا للصحافي البريطاني أوين جونز، عبارة عن خلاصة لبحث أجراه على مدى أشهر وكشف فيه خلافات عميقة داخل «هيئة الإذاعة البريطانية» حول تغطية حرب الإبادة الصهيونية على غزّة والعدوان على لبنان وسوريا واليمن.
تناول التحقيق بالتفصيل دور رئيس تحرير قسم «الشرق الأوسط» في الشبكة البريطانية رافي بيرغ، إذ قال العاملون في الشبكة إنّه المسؤول الأوّل عن توجيه التغطية لمصلحة السردية الصهيونية («الأخبار» ــــ ملحق «كلمات» 28/12/2024)، وإنّه يدير تغطية الشرق الأوسط بشكل دقيق، متحكّمًا بالعناوين والنصوص والصوَر بما يتماشى مع وجهات النظر الإسرائيلية. ووفقًا لما أفادوا، فإنّ «مدى القوّة التي يتمتّع بها بيرغ مخيف»، علمًا أنّه يملك صلاحيّات رفض المحتوى أو إعادة صياغته، وغالبًا ما يُقصي وجهات النظر الفلسطينية.
غير أنّ المادّة الدسمة تمثّلت بكشف التقرير أنّ بيرغ يتعاون مع الموساد الإسرائيلي و«وكالة الاستخبارات المركزية» الأميركية (CIA). ويكشف التقرير أنّ بيرغ أنجز كتابه «جواسيس البحر الأحمر» بالتعاون مع قائد «الموساد» داني ليمور، باعتراف بيرغ نفسه الذي كشف عن الموضوع ضمن مقطع مصوّر تحدّث فيه عن قضائه أكثر من مئة ساعة مع ليمور، فيما تظهر وراءه صور «مبروَزة» (مؤطّرة) له وهو يلتقي بمسؤولين من «الموساد» والحكومة الإسرائيلية بمَن فيهم ليمور والمتحدّث السابق باسم مكتب رئيس الوزراء مارك ريجيڤ. وتظهر أيضًا رسالة شكر من يائير نتنياهو، ابن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي وقّع الرسالة أيضًا. ويمدح بيرغ في كتابه «الموساد» الذي يصفه بأنّه «أعظم جهاز استخبارات في العالم»، نظرًا إلى أنّ الكتاب الذي نُشر عام 2020 يتناول قضية عملية إسرائيلية سرّية لتهريب يهود أثيوبيّين إلى الأراضي المحتلّة بطريقة غير شرعية.
لقد روّج بيرغ لكتابه بقوّة، وأعرب في مناسبات عدّة عن سعادته بأنّ بنيامين نتنياهو أبدى اهتمامه به. في آب (أغسطس) 2020، على سبيل المثال، شارك صورة لنتنياهو على مكتبه أمام نسخة من كتابه، معلّقًا: «هذه المرّة الأولى لي على رفّ كتب رئيس الوزراء الإسرائيلي... يا للروعة!»، مرفقًا إيّاها بـ«تاغ» لـ«الموساد» وحزب «الليكود» الإسرائيلي والسفارتَين الإسرائيليّتَين في المملكة المتّحدة والولايات المتّحدة. ويشير التقرير إلى المفارقة المتمثّلة في أنّه لو كان أحد موظفي BBC من ذوي الرتب المتدنية يشارك علنًا صورًا له وهو يحتضن قائد «حماس» الشهيد يحيى السنوار أو يعرض رسالة من المرشد آية الله خامنئي، فستكون هناك تداعيات خطيرة. ويدعم ذلك بإيقاف الشبكة ستّة من مراسليها عن العمل لمجرّد إعجابهم بتغريدات مؤيّدة لفلسطين. مع ذلك، تتعامل مع مناصرة بيرغ العلنية لـ«إسرائيل» على أنّها غير مثيرة للمشكلات على الإطلاق.
تكشف MintPress أنّ بيرغ درس «الدراسات اليهودية والإسرائيلية» في «الجامعة العبرية» في القدس، وشارك، في ذروة العدوان الإسرائيلي على غزّة عام 2009، في تظاهرة مؤيدة لـ«إسرائيل» في وسط لندن. وتنقل عن Drop Site News أنّه محطّ شكاوى واسعة من أكثر من 13 موظّفًا في مؤسّسته، يتّهمونه بتغيير التغطية بشكل منهجي لضمان انحيازها إلى «إسرائيل» قدر الإمكان. وتكشف أيضًا أنّه عمل سابقًا في «دائرة معلومات البثّ الأجنبي» (FBIS) التابعة لوزارة الخارجية الأميركية، وهي منظّمة كانت، باعترافه أيضًا، واجهة للـCIA. وبحسب التقرير، أظهرت واشنطن في السنوات الأخيرة اهتمامًا كبيرًا بالتأثير في الصحافة البريطانية، وأنفق «الصندوق الوطني للديموقراطية» (NED)، وهو بحسب التقرير «فرع غير رسمي آخر للـCIA»، ملايين الدولارات لتمويل مروحة واسعة من وسائل الإعلام في المملكة المتّحدة. كما تتبرّع «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» (USAID) بأكثر من مليونَي دولار سنويًّا لمصلحة ذراع الشبكة الخيرية BBC Media Action، ما يجعلها ثالث أكبر مموّل لها.
تجاهلت BBC اعتراضات الموظّفين، مدّعيةً أنّه لا يمكن الاعتماد على رسالة «مجهولة المصدر»، رغم أنّ الموظّفين حذوا هذا المسار بعد تواصلهم مع مديريهم من دون جدوى! وسبق في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي أن وقّع أكثر من مئة موظّف على رسالة مفتوحة موجّهة إلى المدير العام تيم ديڤي، تتناول التحيّز الواضح الذي يمكن ملاحظته بمجرّد إلقاء نظرة على العناوين ذات المعايير المزدوجة بشكل نافر، غير أنّ أحدًا في الشبكة لم يعر الموضوع أهمّية، واستمرّ التجاهل كما كان عليه مع الانتقادات المتوالية منذ أكثر من سنة حينذاك.
توضح MintPress أنّ تقريرها «لا يدّعي أنّ بيرغ مندسّ ولا أيّ شخص آخر في BBC»، بل يضيء فقط على موضوع «مثير للدهشة بحيث أنّ الشخص المسؤول عن تغطية BBC للشرق الأوسط، يضع على الحائط صورًا ورسائل لقادة ومسؤولين إسرائيليّين رفيعي المستوى، كما لو كانوا نجوم روك وهو من المعجبين المراهقين. ارتقاء شخص من هذا الصنف إلى هذه الرتب مؤشّر واضح على نوعية الثقافة في BBC: ثقافة شيطنة الفلسطينيّين بشكل منهجي وتصنيع الموافقة على الإبادة الجماعية».
