لم يلق فيديو تدمير ضريح الشاعر أبو العلاء المعرّي الضجة والنقد والإدانة المتوقعة من روّاد منصات التواصل الاجتماعي والناشطين المدنيّين كما حدث عند تدمير تمثاله في شباط (فبراير) 2013. إذ تردّد السوريون قبل إدانة أي تصرف همجي أو غير أخلاقي ينتشر عبر منصات التواصل الاجتماعي خوفًا من الاتهام بـ «إثارة الفتنة» أو «التكفير» أو الأسوأ الوقوع في فخ الأخبار الكاذبة والمضلّلة التي وقع فيها صحافيون ووسائل إعلام وصنّاع محتوى خلال التعامل مع المحتوى الضخم الذي نُشر حول سوريا بعد سقوط النظام وفتح سجن صيدنايا في ريف دمشق.
جاء هذا التردّد رغم تأكيد صحة فيديو إقدام مسلّحين مجهولين على تكسير ضريح الشاعر والفيلسوف العربي أبي العلاء المعري في «معرّة النعمان» في إدلب خلال وقت قصير من انتشاره، إذ كان من السهل التحقّق من صحته، فقد سبق أن نشرت إحدى المنصات فيديو من المركز الثقافي لمعرّة النعمان الذي يضمّ الضريح في الرابع من الشهر الجاري بعد انسحاب قوات الجيش السوري السابق منها، وقد ظهر بحالة سليمة، وسبق أن صوّرت إحدى المنظمات الإنسانية السورية توزيعها مساعدات قرب الضريح في البلدة في عيد الأضحى الماضي وقد كان سليمًا بشكل كامل.
هذا ليس الاستهداف الأول الذي يتعرض له «شاعر الفلاسفة»، فقد سبق أن قُطع رأس تمثاله النصفي في معرة النعمان من قبل مسلحين في العام 2013 أثناء سيطرة «جبهة النصرة» على المدينة، كأنّ «القلق من الحياة والعزلة عن الناس» التي لازمت المعري كل حياته، كانت توقعًا لمصيره حتى بعد الوفاة. ولذلك نُسب إلى المعري طلبه بأن يكون قبره في مكان لم يدفن فيه أحد قبله، ظنًا منه أنّ ذلك سيُبقيه في مأمن من أذى الآخرين، لكن آثاره الأدبية حوّلت عبر السنوات مكان ضريحه إلى متحف ومركز ثقافي تاريخي شمال غرب سوريا.
مع ذلك، لا يمكن الجزم بأنَّ من دمّر الضريح يعرف صاحبه أو سبق أن قرأ أيًا من نثره أو شعره، فتدمير التماثيل وتكسيرها هما من أدبيات الحركات المتشدّدة التي ترى في الأضرحة والنصب التذكارية نوعًا من «الأفعال المحرّمة شرعًا». ممارسات ظهرت في العراق أيضًا إبان صعود الحركات المتطرفة على إثر الاجتياح الأميركي للعراق في العام 2003 الذي أودى بنظام صدام حسين، وسيطرة «داعش» على الموصل العام 2014، ما أدى إلى تدمير تمثال للشاعر العباسي أبي تمام، وهو نوع من التفسيرات المتشدّدة للشريعة التي تحرّم بناء القبور والأضرحة، وتأخذ موقفًا «تكفيريًا» من الفنون كالرسم والنحت والتصوير وممارسيها.
بالبرغم من أنّ هذه التصرفات تجاه المواقع الأثرية والتاريخية لا تزال قليلة وفردية ولا تمثل توجّهًا عامًا، وخصوصًا أنّها تحدث في مناطق بعيدة عن المركز في دمشق لكنها أيضًا لا تعامل بأي نوع من الردع أو العقوبة. وهي تأتي بالتوازي مع إعلان وزارة التربية في الإدارة السورية الجديدة عن تعديلات على المناهج السورية طالت ليس فقط رموز نظام الرئيس السوري بشار الأسد، بل أيضًا العبارات التي تتحدث عن الآلهة وبعض الشخصيات التاريخية في كتب التاريخ والفلسفة، والمكونات الدينية في بلد متعدد. وهذا ما بدأ يثير قلق كثيرين حول ما إذا كان تدمير ضريح صاحب «رسالة الغفران» هو «نذير شؤوم» عن ترسيخ رفض أي عملية «إبداعية وعقلية وروحية» لا تتوافق مع نوايا الحكم الجديد أم مجرد «حالة فردية» لا يُعتدّ بها.