أوراق إعلامية

الطفولة وقودًا في حرب المحاور و... «الرايتينغ»

post-img

قبل أيام، عرضت «الجديد» أولى حلقات برنامج «ميني مافيا» الذي تقدّمه كارين سلامة. وكان يُفترض بالبرنامج أن يضيء على مواهب الأطفال في مجالَي الفن والترفيه، لكن القناة اللبنانية غيّرت خطتها في اللحظات الأخيرة، فقرّرت تصوير حلقة سياسية جمعت باقة من الأطفال وأدخلتهم دهاليز السياسة.

بهذه الخطوة، قرّرت «الجديد» مواصلة السياسة التي بدأتها أثناء الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، التي ارتكز جلّها على التضليل وتشويه الحقائق.

هكذا، استضافت كارين سلامة مساء الجمعة الماضي (بالتوازي مع بثّ الحلقة على قناة LTV السورية) مجموعة من الأطفال من مختلف الطوائف والمذاهب والحساسيات، لم تُجاوز أعمارهم 12 عامًا وفتحت لهم الهواء لإدخالهم في زواريب السياسة والطائفيّة. تركّزت الحلقة على الطفلين مجتبى وشربل: الأول يناصر «حزب الله» والثاني يدعم «القوات اللبنانية»، فخاض الطفلان «معارك» ومناوشات سياسية تصعب على الكبار... ومَن أسرع من «الجديد» في استغلال الصراع السياسي بين الطفلين لتحقيق «ريتينغ» وانتصارات إعلامية!

لا يعد «ميني مافيا» الأول من نوعه على الشاشات اللبنانية، بل سبق أن قدّمت القنوات المحلية برامج مماثلة تضيء على الطفولة. لكن لـ «ميني مافيا» وقع خاص، أكان من ناحية توقيت عرضه المدروس أو مضمونه الذي يقوم على استغلال الطفولة في السباق المحموم على نسب المشاهدة. وما زاد من الضجة التي أثارها تزامنه مع ظروف سياسية واجتماعية صعبة يشهدها البلد الذي يحاول التقاط أنفاسه بعد الحرب، إلى جانب انقسام سياسي حاد في ظلّ السباق لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية.

أثارت الحلقة الأولى من «ميني مافيا» جدلًا واسعًا في الفضاء الافتراضي، وتعرّضت «الجديد» لحملة اتهمتها باستغلال الطفولة لأهداف سياسية، وبتجيير البرنامج في خدمة الحملة الممنهجة التي بدأتها القناة ضد المقاومة وبيئتها، إلى جانب سعيها إلى رفع نسب المشاهدة مهما كان الثمن. لاحقًا، حاولت قناة تحسين خياط تبرير الكارثة التي وقعت فيها، ببيان صبّ الزيت على النار. إذ أوردت أنّه «مساء السبت، بُثّت الحلقة الأولى من «ميني مافيا» الذي استضاف عددًا من الأطفال في إطار عرض مواهبهم الفتيّة بهدف تسليط الضوء على إمكاناتهم وابتكاراتهم التي تحتاج إلى دعم إعلامي. تزامن عرض الحلقة مع توقيت انتخابات رئاسة الجمهورية، إذ اقترح فريق الإعداد استضافة أطفال لبنانيين لإظهار مدى تأثرهم بالبيئة الاجتماعية والسياسية. لكن عند مشاهدتها، تبيّن للقناة أنّ حوارًا بين طفلين في الحلقة قد تجاوز براءتهما وسنّهما، ما دفعها إلى حذفه بالكامل». وأضافت «الجديد»: «لدى بثّ الحلقة، التي كانت قد خضعت لمونتاج سريع، فوجئت الإدارة بأنّ المقطع المحذوف بُثّ عن طريق الخطأ. وهو ما تتحمّل القناة مسؤوليته وتُجري حاليًا تحقيقًا لمحاسبة المسؤولين. إن «الجديد» التي تعتبر الأطفال عالمًا مقدسًا وتحافظ في برامجها على خصوصيتهم، تعتذر عن هذا الخطأ الناجم عن إهمال وظيفي. وتؤكد أنه لم يكن هدفها استثمار الطفولة تلفزيونيًا. كما حُذف المقطع المسيء عن جميع مواقع القناة الإخبارية».

لكن عرض «ميني مافيا» ليس بريئًا أو «زحطة» مونتاج كما ادّعت المحطة. إذ تلفت المعلومات لنا إلى أنّ فكرة البرنامج لم تتضمّن من الأساس حلقةً سياسيةً، بل كان يقوم على عرض مواهب الأطفال الفنية والترفيهية فقط. من هذا المنطلق، صوّر فريق «ميني مافيا» حلقتين من المشروع، وكان متوقعًا أن تُعرض إحداهما في افتتاحية العمل. لكن كرمى خياط الرئيسة التنفيذية لـ «الجديد»، غيّرت الخطة في اللحظات الأخيرة، بعدما أصرّت على تأجيل بث الحلقتين المصوّرتين، طالبةً على عجل من فريق العمل تصوير حلقة سياسية للأطفال يوم الخميس الماضي وعرضها في اليوم الثاني. وتشير المصادر إلى أنّ «الجديد» طلبت بالفعل بعض التعديلات على الحلقة، وتحجّجت بأنها لم تنفذ، لكنها تقصّدت الإبقاء على الفقرة الأخيرة التي يتحدث فيها الطفل مجتبى عن الشهادة، كي تثير بلبلة وتسهم في الترويج لسردية غسل دماغ الأطفال في بيئة المقاومة. وتشير المعلومات إلى أنّ الحلقة صوّرت بحضور الأهل، وهذه الحجة تتسلّح بها القناة. هكذا، حاولت «الجديد» تقديم حجج غير مقنعة لعملية استغلال علنية قامت بها، محمّلةً الخطأ لفريق مونتاج «ميني مافيا»، بينما يعلم الجميع أنه لا يخرج على هواء أي قناة لبنانية، من ضمها «الجديد»، أي محتوى إعلاني أو إعلامي إلا ويحمل رضى وتوقيع آل خياط.

في السياق نفسه، لم يتعرّض البرنامج لحملات في الفضاء الافتراضي فقط، بل واجه أيضًا انتقادًا من بعض الإعلاميين الذين وقعوا مرارًا في فخ استغلال الطفولة. فقد تقدّم جو معلوف بصفته رئيس جمعية «كرامة»، بإخبار ضد كارين سلامة و«الجديد»، فتحرّكت قاضية الأحداث في جبل لبنان جويل أبو حيدر، بناءً على الإخبار الذي اتهم القناة باستغلال الأطفال للتحريض الطائفي والمذهبي والسياسي بحسب بيان الدعوى. وتكشف المعلومات أنّ معلوف سيتطرق في برنامجه «كلنا للوطن» الذي يعرض على قناة mtv إلى حلقة «ميني مافيا» والمتاجرة بها.

من جانبها، حاولت كارين سلامة توضيح ما حصل في برنامج «ميني مافيا» بعدما تعرّضت لحملة هجوم، فكتبت تعليقًا على صفحاتها على السوشال ميديا، قائلة «مع احترامي للآراء التي تفاعلت مع «ميني مافيا»، وتحديدًا تلك التي زعمت أنه استغلال للطفولة. أعتذر إذا كانت الحلقة قد أساءت فعلًا إلى الطفولة، لأنني أمّ. أما إذا كانت الحقيقة تجرح لأنّ الأطفال فضحوا المجتمع بعدما تربّوا على ثقافة رفض الآخر، فهذه مسؤولية المجتمع وتحديدًا الأهل وليست مسؤولية الإعلام».

البلبلة التي أثارتها افتتاحية «ميني مافيا» قابلتها وزارة الإعلام بالصمت، هي التي وقفت متفرّجة، خلال الحرب، على الإعلام الذي أسهم في التضليل والتماهي مع السردية الإسرائيلية والترويج لها والمساهمة في الحرب النفسية التي خاضها العدو الإسرائيلي على المجتمع اللبناني. فقد اكتفى وزير الإعلام زياد مكاري بنشر تعليق على صفحته على منصة X قائلًا «اتصلت بإدارة «الجديد» وتناولنا مضمون حلقة «ميني مافيا» مع الأطفال. تم الاتفاق على معالجة ذيول ما حدث وتطويق أي ارتدادات سلبية له بما يضمن إعطاء الأولوية لحماية الأحداث، ويراعي مشاعرهم ويواكب اهتماماتهم العمرية من دون إقحامهم في المجال السياسي أو الحزبي أو الطائفي».

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد