اوراق خاصة

هكذا ساندت ساحات المقاومة غزة .. حتى النصر !

post-img

حسين كوراني

قاتلت غزة حتى النصر، ورفضت رفع راية الاستسلام أو تسليم نفسها لمغتصبٍ. خرج مقاتلوها من بين ركام البيوت المُهدَّمة، وخاضوا أشرس المعارك مع أعتى جيوش العالم، وأثبتوا عن حق أنهم أبطال أسطوريون. ومع أن العرب والمسلمين تركوا غزة لقدرها باستثناء قلة قليلة منهم، بقيت تقاتل لأكثر من سنة وثلاثة أشهر، حتى استحقت أوسمة الشرف والنّسب والبطولة. 

عندما نتحدث عن "انتصار غزة"، فإننا نتحدث عن صمودٍ أسطوري لشعب محاصر من الجهات كافة، شعبٌ تعرّض لأفظع أنواع القتل والتعذيب والتجويع المُمَنهَج. لم تترك "إسرائيل" أسلوبًا من أساليبها البربرية إلا وجربته مع أهالي غزة العُزّل، حتى الطعام والماء والدواء والمأوى حُرموا منه. كل ذلك حصل وسط خذلانٍ عربي وإسلامي مخزٍ وتواطؤ غربي قذر. وحدهم أبناء محور المقاومة في لبنان واليمن والعراق وإيران وسوريا كان لهم شرف مساندة غزة، ولم يتركوها تواجه قدرها وحدها. 

مع كل الألم والمعاناة والإبادة الشاملة والتدمير، بمختلف صوره وأشكاله، لم تتخلَ غزة بأطفالها ونسائها وشيوخها عن السلاح وظلّت تقاوم. وإلى آخر يوم رفض شعبها تسليم أرضه للأعداء مُستعدًا للعيش بين ركام بيوته حُرًّا كريمًا. وإلى آخر يوم بقي المقاوم الفلسطيني صامدًا مع الحد الأدنى من الوسائل التي يملكها، مُستخدِمًا أحيانًا أسلحة العدو والذخائر التي قذف بها الأبرياء ولم تنفجر، يواجه الاحتلال الإسرائيلي ودبَّاباته وطائراته بملاحم بطولية قَلَّ مثيلها عبر التاريخ.

إذًا، هي حرب لم يشهد العالم مثلها، حرب شنّها الكيان الصهيوني ضد غزة الصغيرة، بدعم أميركي وأوروبي مطلق، متجردًا من كل القيم الإنسانية، حتى كشفت الوجه الحقيقي البشع لذلك الغرب المُقيت المدّعي لحقوق الإنسان والديمقراطية. كما فضحّت هذه الحرب العرب الخانعين الأذلاء الذين لم تدمع لهم عين على ما حلّ بأهل غزة من مذابح طالت آلاف الأطفال والنساء. هؤلاء العرب المنفصمون بدلاً من أن يهبوا لنصرة إخوانهم في الدين والنّسب تآمروا عليهم، ومنهم الكثيرون ممن تهافتوا لتقديم المساعدات لجيش الاحتلال الإسرائيلي، كي يُشهد لهم عند سيدهم الأميركي.

قلة قليلة من هؤلاء العرب من أهل الشهامة والنخوة والشرف، ممن قاتل أجدادهم مع رسول الله (ص) في معركة خيبر، هبّوا لنجدة إخوانهم في غزة، هم رجال محور المقاومة في لبنان واليمن والعراق وسوريا، ومن خلفهم إيران، ساندوا غزة ودفعوا ثمنًا باهظاً نصرة لها. المقاومة اللبنانية منذ اليوم الثاني من "طوفان الأقصى" دخلت في حرب إسناد قدّمت خلالها آلاف الشهداء والجرحى من خيرة قادتها ومقاتليها وعلى رأسهم سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله دفاعًا عن كل فلسطين. ولا ضير هنا أن يحاسب بعض اللبنانيين بعضهم الآخر لقتالهم مع غزة وشهادتهم بسبب نصرتها، فشرف كبير أن يُقال لأهل المقاومة هذه حربكم وليست حربنا، فمن يتبرأ من النخوة والعزة لا مكان له إلا عند أهل المذلة والجبن. 

كذلك اليمنيون؛ لم تهدأ صواريخهم ومسيّراتهم بالانقضاض على المدن الإسرائيلية والبوارج الأميركية في البحر الأحمر المتّجهة لدعم الصهاينة. والتاريخ سيكتب يومًا أن أصغر وأفقر بلاد العرب في غزة ولبنان واليمن فعلت ما عجزت دول كبرى عن فعله بتحدّي المشيئة الأميركية والصهيونية وكسر شوكتها في منطقتنا.

كما كان للعراق نصيب من المساهمة ودفع الثمن أيضًا. وإيران كذلك دخلت على خط الإسناد مباشرة فاستهدفت "تل أبيب" بمئات الصواريخ البالستية، ومنذ اليوم الأول لعدوان على غزة لم تهدأ إيران في دعم المقاومة على الصعد كافة. ومع ذلك كله، شعوب كثيرة لم تهدأ بحضورها في الساحات والشوارع والميادين دعمًا لغزة. حكومات تجرأت على المقاطعة والتحرّك نحو مقاضاة الاحتلال بجرائم الإبادة، فيما غزة بقيت تخوض حربها بكل عزيمة وثبات، قاتلت وانتصرت، وهذا ما اعترف به العدو نفسه، إذ قال ضابط كبير في المنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال: "كل ما أنجزناه في غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول ذهب أدراج الرياح بهذا الاتفاق"، في حين قال وزير الأمن القومي الصهيوني إيتمار بن غفير: "عندما نشاهد احتفالات الفرح لأنصار حماس في غزة، والاحتفالات في القرى في الضفة الغربية، ندرك من هو الطرف الذي استسلم في هذه الصفقة".

أخيرًا؛ تكون غزة قد فرضت شروطها على المحتل: انسحاب كامل للعدو وإنهاء شامل للحرب، وعودة النازحين وفك الحصار ومنع التهجير وإعادة الإعمار. وبهذا يكون قد فشل حلم إسقاط المقاومة سقوطًا مدويًا، واعترف أعداء المقاومة أنها صارت أكثر قوة خلال الحرب مما كانت قبلها. وبالمناسبة يفتخر اللبنانيون واليمنيون أنّهم من الذين قدّموا أغلى ما عندهم من ضريبة دم دفعوها عن طيب خاطر؛ لأجل دخول اسم بلديهم سجل الشرف الأعلى.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد