جريدة الأخبار
استفاق أهالي ضاحية بيروت الجنوبية صبيحة يوم الأحد الفائت على الأخبار التي وصلتهم من جنوب لبنان: «الجنوبيون يحررون قراهم باللحم الحي». استهلّوا نهارهم بمتابعة تلك المشاهد الأسطورية التي أثلجت صدورهم، فهم بطبيعة الحال شركاء في الانتصار وهم الذين عاشوا يوميات العدوان الإسرائيلي إلى جانب أهالي الجنوب والبقاع.
كثر هبّت فيهم روح الحماسة في تلك اللحظات الحساسة والمصيرية، فما كان منهم إلا أن ركبوا سياراتهم وتوجهوا لمساندة الجنوبيين، علماً أن عدداً كبيراً منهم كان قد توجه إلى الجنوب منذ مساء اليوم السابق (السبت) من دون أن تردعه تحذيرات العدو الإسرائيلي أو مطالبته أهالي جنوب لبنان «بالانتظار».
حسن ابن قرية رُب ثلاثين الحدودية، توجه إلى الجنوب بعد ظهر يوم السبت برفقة مجموعةٍ من رفاقه الذين ينحدرون من قرى بني حيان وحولا وعيترون، وأمضى ليلته في قرية بنت جبيل في منزل صديقه، ليباشر مع بزوغ الفجر بمحاولة تحرير قريته. عند سؤاله عن سبب ذهابه إلى الجنوب في ظل ضبابية تلف مشهد الساعات القادمة أو مخاطر قد تترتب، يجيب «مهلة الستين يوماً خلصت، وهذه فرصة تاريخة ما بتتعوض لتكريس معنى المقاومة الشعبية».
بالتوازي، بدأت دعوات النزول إلى الشارع للاحتفال بهذا النصر تنتشر بين الأحياء وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، وكأن الروح عادت إلى الضاحية في هذا اليوم، فتجمّع الأهالي والشبان والأطفال عند ميدان شهداء المقاومة أو ما يُعرف بجسر حرقوص، واحتفلوا على وقع الأناشيد الثورية والمفرقعات النارية حاملين صور الشهيد السيد حسن نصرالله ورافعين رايات المقاومة، فيما توجه قسم كبير منهم إلى موقع اغتيال «السيد» لعيش هذه الفرحة هناك، فهذا المكان أصبح بمنزلة مقصدٍ لهم.
كذلك، انطلقت مواكب السيارات والدراجات النارية للاحتفال في أرجاء الضاحية، بالتزامن مع انتشارٍ كبير للجيش اللبناني على مداخل الضاحية بعد التنسيق مع فعاليات المنطقة التي حرصت على حصر مظاهر الاحتفال ضمن حدود الضاحية منعاً لأي مشاحنات.
يوم الإثنين بدأت قوافل السيارات والحافلات بالتهافت إلى الجنوب لضرب موعدٍ مع نصرٍ جديد. ومع ساعات الصباح الأولى شهد أوتوستراد الجنوب زحمة السير التي يعرفها روّاده. يقول أحدهم «نريد معايشة نصر تحرير الأرض... فعام 2000 كنا أطفالاً»، ويرد مَن بجانبه «نحن نود تكرار مشهدية العودة، فقد استحضرنا تحرير أيار في هذه الأيام».
وقد انقسمت توجهات البعض فيما يتعلق بالمنامة، فجزء منهم قرر المبيت عند أقاربهم في القرى الخلفية إلى أن يتدبروا أمورهم في إحدى القرى، وجزءٌ آخر كان هدفه مساندة الجنوبيين للرجوع إلى قراهم، على أن يعود في اليوم التالي إلى الضاحية. وكان لافتاً ملؤ بعض السيارات بقارورات الغاز والمأكولات والمشروبات وأدوات الطهي و«الدست»، لتحضير كميات كبيرة من الطعام وتوزيعها على أهالي الجنوب المرابطين عند الحدود.
في غضون ذلك، تُرجمت في الضاحية معاني المساندة والمواساة، فعلى قلب واحد شُيّع 3 من شهداء التحرير في روضة الشهيدين في الغبيري بمشهدٍ مهيب، وهم الشهيدة تمارة شحيمي، والشهيدة زهرة صولي، والشهيد حسين صلوب. كما تجلت ملامح النصر بوضوح، فمع مرورك بجانب ورش الترميم والإصلاحات، ترى الابتسامة لا تفارق وجوه الناس، واصبعَي النصر يُرفعان على الملأ، قبل أن يوقفك عددٌ من الشبان على الطريق ليضيفوا البقلاوة والمعمول كـ«حلوَينة» التحرير.
ويلفتك مشهد المقاهي وهي تعج بالروّاد الذين يتابعون بحماسة عالية البث المباشر لتحرير الجنوب أو يواكبون التطورات على هواتفهم لحظةً بلحظة... هي مشاهد كثيرة لا يمكن حصرها بالكتابات، ولكنها لا تنم إلا عن شيء واحد، وهو تعلق الشعب بالأرض.