اوراق مختارة

لا طريق إلى أورشليم...!!

post-img

نبيه البرجي (الأفضل نيوز)

ذاك الاهتمام الأميركي المثير بلبنان، من انتخاب رئيس الجمهورية إلى اختيار رئيس الحكومة، وحتّى تسمية الوزراء الذين لا نشكك بكفاءة أي منهم، لكن القلة القليلة منهم تدرك ما يعني الدخول في الأدغال الداخلية. 

سفير أوروبي قال لنا "لبنان القديم انتهى.

أمامكم لبنان الجديد". كاد يقول شاء من شاء وأبى من أبى...

كلام لهنري كيسنجر غداة خروجه من وزارة الخارجية التي لا يزال وقع قدميه في آذان كلّ من فيها "To be an enemy of America can be dangerou , but to be a friend is fatal "، أي "أن تكون عدوًا لأميركا يمكن أن يكون خطيرًا، ولكن أن تكون صديقًا فهذا قاتل".

لبنان ظاهرة غرائبية أو ظاهرة سريالية. ربما كان توصيف الروائي الأميركي دوغلاس كنيدي ـ وقد استعدناه أكثر من مرة ـ الأكثر إحاطة بواقع الحال "هناك لا تدري ما إذا كنت في الجنة أم كنت في النار". 

دائمًا على حافة الأشياء، دائمًا على حافة الاحتملات.

دونالد ترامب الذي أطلق في ولايته الأولى "صفقة القرن"، وكان واثقًا من أنها ستؤدي إلى تغيير المسار الإستراتيجي، والمسار الإيديولوجي، للشرق الأوسط، لم يكن يتوقع سقوطها عند البوابة اللبنانية، ليذكّره مستشاره للأمن القومي مايكل فلين بأن "هؤلاء اللبنانيين هم وحدهم من أخرجوا، وبالقوّة، الاحتلال الإسرائيليّ من أرضهم. 
إذًا "الأمبراطورية اللبنانية" في مواجهة الأمبراطورية الأميركية. 

الآن أمبراطورية دونالد ترامب، 

لا شك أن الحرب الأخيرة على لبنان أحدثت خللًا مروعًا في موازين القوى. 

الكل تقريبًا مع "إسرائيل"، وحيث كان للمؤسسة اليهودية، بتأثيرها الأخطبوطي، أن تستثير العالم إلى جانبها. وإذا كان جدعون ليفي قد كتب في صحيفة "هارتس" "لولا أميركا لكان علينا أن نقاتل الفلسطينيين بالعصي والحجارة"، كان واضحًا أن لولا أميركا لكان الجليل، وربما أبعد من الجليل في قبضة اللبنانيين. 

في حكومة نواف سلام الذي يطأ أرض السراي للمرة الأولى وزراء جلّهم من الجامعات الأميركية أو الأوروبية.

الكثيرون منهم عملوا في شركات أو مؤسسات أميركية هامة جدًا (بما فيها "بلاك روك" التي تدير أموالًا بقيمة 10 تريليونات دولار).

لا مجال للقول بلبننة لبنان (وهذا لم يحدث في أي وقت)، ولا بفرنسة (أو تدويل) لبنان.

أمركة لبنان 

مورغان تورغاس غرزت إصبعها الذي يحمل نجمة داود في عيوننا. غريب أن غالبية المبعوثين الأميركيين من اليهود المتشددين. دنيس روس كان يضع نجمة داود في مكتبه في الخارجية. اليوت ابرامز كان يدعو إلى وقف كلّ مساعدة للجيش اللبناني، ديفيد كوشنر الذي كانت تنقصه قبعة ولحية الحاخام أموس هوكشتاين الذي كان يفاخر ببزته العسكرية في الجيش الإسرائيليّ. 

الآن مورغان تورغاس الجميلة، التي رصعت خاتمها بنجمة داود. ربما يبعثون إلينا في المرة المقبلة بجنيفر لوبيز أو بالليدي غاغا.

 ما يعني العهد الحالي أن تفتح أبواب الخليج أمام لبنان. 

مؤشرات كثيرة على أن إدارة دونالد ترامب تراهن، وإن على مراحل، بفتح أبواب أورشليم. 

لكن ما يستشف من تعليقات قناة "فوكس نيوز" أن لبنان يأتي في دومينو التطبيع، بعد السعودية وسورية.

الثابت حتّى الآن، وكما يؤكد لنا زعماء سعوديون، أن الأمير محمد بن سلمان الذي يدرك مدى حساسية وتأثير العلاقات التاريخية، وحتّى العلاقات الوجودية، بين واشنطن والرياض، والتي أرساها جده الملك عبد العزيز مع الرئيس فرنكلين روزفلت، غداة مؤتمر يالطا (شباط 1945 )، يرفض الاستسلام لنظرة ترامب للمملكة على أن الطريق إليها هو طريق الذهب (الالدورادو)، كما في أفلام الويسترن الأميركية. 

إنها دولة لها سيادتها، ولها دورها، ولها اهتماماتها الجيوسياسية في سائر أرجاء المنطقة، وربما أبعد من المنطقة، كونها أرض الأمكنة المقدسة لدى المسلمين كافة.

مثلما قال "لا" لجو بايدن لدى طلبه زيادة إنتاج النفط، وهي مسألة لا تتعلق بدولة بعينها، سيقول "لا" لدونالد ترامب حول خفض أسعار النفط. 

على كلّ، الرئيس الأميركي أطلق يد الشركات لاستخراج النفط الأحفوري، ما يشكّل ضغطًا على الأسعار التي حددها تحالف "أوبك بلاس".

لكن في رأس ترامب شق الطريق بين الرياض وتل أبيب، ما يعني وضع نهاية لأزمة الشرق الأوسط، ولكن على أنقاض الدولة الفلسطينية، والشعب الفلسطيني، ما يرفضه السعوديون على نحو قاطع ونهائي... 

لا الطريق إلى الشرق الأوسط أمام الرئيس الأميركي مفروشة بالورود، ولا التضاريس السياسية، والطائفية في لبنان تجعل منه محظية أميركية (بالكامل! !). 

الفرنسيون متفائلون بأن لبنان في عهده الجديد أمام اختبار بالغ الأهمية. لا اجترار للمرحلة السابقة، وقد قادت لبنان إلى خراب، بل ورشة مفتوحة للإصلاحات المالية، والإدارية الهيكلية.

أبواب كثيرة يفترض أن تفتح أمام الثنائي جوزف عون ـ نواف سلام. 

المقاومة الآن لن تكون بالسلاح، وإنما بالوقوف في وجه أي ضغوط للتطبيع بين القاتل والقتيل. ولكن ماذا لو لم تنسحب "إسرائيل" كليًا في 18 الجاري، وهي التي كان رهانها إزالة كلّ أثر للدولة اللبنانية؟ 

تورغاس لم تقدم أجوبة قاطعة حول الموقف الأميركي حين سئلت عن ذلك في أكثر من مكان.

الطريق إلى واشنطن ممكن، بل وضروري. 

الطريق إلى أورشليم مستحيل، بل وقاتل. 

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد