أوراق سياسية

استمرار احتلال "إسرائيل" للتلال الخمس يهدّد الاستقرار الداخلي

post-img

اندريه قصاص (لبنان 24)

لقد بات واضحًا ومحسومًا من قِبل "إسرائيل" أنها لن تنسحب غدًا من التلال الجنوبية الخمس، التي تعتبرها إستراتيجية بالنسبة إلى أمن مستوطناتها الشمالية، نظرًا إلى أنها تكشف جزءًا كبيرًا من "الأراضي الإسرائيلية" الشمالية، وهي أبلغت كلًا من راعيي اتفاق وقف النار في الجنوب، الذي لم يكن حتّى يوم أمس سوى اتفاق صوري، بأن لا رجوع عن قرارها في البقاء العسكري على هذه التلال مهما كانت الضغوطات الأميركية والفرنسية لكي تنسحب من هذه التلال، خصوصًا أن كلًا من واشنطن وباريس تخشيان من أن يعطي استمرار الاحتلال "الإسرائيلي" لهذه التلال مبررًا لحزب الله للقيام بما يراه مناسبًا لتحريرها، واستخدام كلّ الوسائل الممكنة والمتاحة لتحقيق هذا الهدف. 

وهذا يعني أن العودة إلى لغة التراشق الصاروخي والمدفعي غير مستبعدة تحت عنوان قديم – جديد، وهو "قواعد الاشتباك، أي بمعنى ألا يلجأ أي طرف من طرفي النزاع إلى تصعيد دراماتيكي قد يصل التوّتر هذه المرّة إلى مناطق لم تكن مدرجة على بنك الأهداف العسكرية في الحرب الواسعة، التي دمرّت ما يقارب تسعين بلدة وقرية جنوبية وأحياء كاملة في الضاحية الجنوبية لبيروت، وبعض المناطق البقاعية.

فاستمرار "إسرائيل" في احتلال هذه التلال الخمس من شأنه إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل 27 تشرين الثاني الماضي، وإلى ما قبل 9 كانون الثاني، ومن شأنه أيضًا أن يعطي أكثر من مبرر لقيام من يدور في فلك "الفريق الممانع" بما يلزم من خطوات لكي يحصّن موقعه السياسي، من خلال تثبيت وجوده في هذا المحور كقوة ضامنة ضدّ الأطماع الإسرائيلية، وهي في ظاهرها غير مخفية على أحد. وقد يكون التعرّض لقوات "
اليونيفيل" على طريق المطار وجهًا من وجوه إثبات هذا الوجود وفاعليته التعطيلية.

ومن يعرف هذه التلال من أهل الجنوب يدرك أهميتها الإستراتيجية بالنسبة إلى لبنان، ويستطيع أن يفهم لماذا تصرّ "إسرائيل" على إبقاء سيطرتها العسكرية عليها، وهي إضافة إلى أن "تل أبيب" تعتبرها حيوية وإستراتيجية بالنسبة إلى أمن مستوطناتها الشمالية هي مواقع مراقبة مهمّة لأي تحرّك ترى أنه مشكوك في أهدافه.  

فتلة العويضة مثلًا تقع في مرماها كلّ مستوطنات الجليل، في ما تقطع تلة الحمامص أوصال الجنوب اللبناني وتقسّمه إلى مناطق منعزلة. أمّا تلة اللبونة فتطل على مدينة صور ومخيم البص للاجئين الفلسطينيين، وتشرف على نقطة بارزة لقوات "اليونيفيل"، وتصنّفها "إسرائيل"  من ضمن أهم المناطق، التي تُعتبر مناطق حراسة دفاعية، في ما تسمح تلتا جبل بلاط والعزية لـ"إسرائيل" بكشف مناطق واسعة، إضافة إلى أن هذه التلال غير مأهولة وخالية من العمران المرتفع، ما يسمح لـ"إسرائيل" بالتحرك بسهولة في اتّجاه الأراضي اللبنانية لتنفيذ أي عدوان، إلا أن هذا الاحتلال لهذه التلال من شأنه أن يعيق أي عودة ممكنة للأهالي في أكثر من عشر قرى حدودية مدمرّة.

وتزامنًا كان رئيس لجنة تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار الجنرال الأميركي جاسبر جيفيرز قد أعلن أن "الجيش سيسيطر على كلّ المراكز السكانية في منطقة الليطاني الجنوبية قبل يوم الثلاثاء المقبل"(غدًا)، بينما رفضت "تل أبيب" مقترحًا فرنسيًا يقضي بنشر قوات فرنسية مكان القوات الإسرائيلية في التلال الخمس، التي لن تنسحب منها "إسرائيل"، على ما يبدو، أيًّا تكن النتائج، حتّى ولو اضطرّت إلى لغة القصف الصاروخي، وهي استعادت أول من أمس بعضًا من اعتداءاتها المباشرة باستهداف بعض المسؤولين في قيادة "حزب الله".

فانسحاب "إسرائيل" من كلّ البلدات والقرى الحدودية بات شبه مؤكد قبل يوم غد، إلاّ أن هذا الانسحاب يبقى ناقصًا ومناقضًا لما تضمّنه اتفاق وقف النار ما دام الجيش "الإسرائيلي" مصرًّا على احتلال التلال الخمس، مع إعلان "تل أبيب" بتمسكها بهذا الموقف القاضي بضمان ترتيبات أمنية بديلة قبل أي انسحاب، وسط ادعاءات عن مخاوف لديها من فراغ أمني قد تستفيد منه "المقاومة الإسلامية لتحصين مواقعها المتقدمة.

إلاّ أن التطورات الدرامية على طريق المطار، والتي لم تكن منتظرة، حجبت الضوء، ولو بنسب قليلة، عن خطورة بقاء الاحتلال "الإسرائيلي" لهذه التلال الخمس، مع ما يمكن أن ينتج عن هذه التطورات من نتائج سلبية على أداء العهد والحكومة، التي تضم في شكل أو في آخر ممثلين لحزب الله وحركة "أمل" تمامًا كما تضم ممثلين عن "القوات اللبنانية" و"الكتائب اللبنانية" والحزب "التقدمي الاشتراكي" وحزب "الطاشناق"، الأمر الذي يمكن أن "يفخخ" العمل الحكومي، أو على الأقل جعل الحركة الحكومية بطيئة وغير متجانسة مع خطاب القسم أو البيان الوزاري، وذلك خوفًا من أن ينتقل توتر الشارع إلى توترات متقابلة عبر "المتاريس" السياسية داخل حكومة "الإصلاح والإنقاذ"، بحيث يصبح هذا الشعار مجرد شعار ليس إلا.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد