مصطفى عواضة/ موقع العهد الإلكتروني
في لحظات الوداع، قبل ساعات قليلة من انطلاق مراسم تشييع القائد الأمين والشهيد الأسمى، السيد حسن نصر الله، تحولت الضاحية الجنوبية لبيروت إلى ساحة عزاء لا مثيل لها، ساحة ملؤها الحزن العميق الذي يخيم على كل مكان، مشهد شبيه بيوم العاشر من محرم، يوم استشهاد الإمام الحسين (ع)، حيث تجمعت الحشود في سكونٍ عميق، ولكن قلوبهم مشتعلة بالعزم على المضي قدمًا على درب المقاومة.
مشهد الحزن في الضاحية
منذ ساعات الليل الأولى، كانت شوارع الضاحية الجنوبية، التي تعودت على الهدوء النسبي في بعض الأوقات، تكتظ بالحشود التي جاءت من كل أنحاء لبنان، من كل الأطياف والمناطق، لتودع قائدًا للأمة الإسلامية، ورمزًا من رموز الكرامة والمقاومة. سيارات محملة بالأعلام السوداء، والرايات التي تحمل صور الشهيد القائد وأعلام المقاومة، كانت تتزاحم على الطرقات، كما لو أن الضاحية كانت تعيش لحظات يوم عاشوراء.
الدموع تنسكب من عيون الرجال والنساء والأطفال، والأيدي مرفوعة بالدعاء، مطالبة الله بأن يتقبل شهيدهم الأسمى. في عيونهم كان الأمل في أن هذا الفقد لا يعني نهاية الطريق، بل هو بداية لمرحلة جديدة من الصمود في وجه الأعداء. الجميع في الضاحية يعلم أن السيد حسن نصر الله زرع فيهم بذور المقاومة التي لا تنتهي، ولن يموت هذا الفكر بأي حال.
المضائف على الطرقات
الطرق المؤدية إلى الضاحية كانت تشهد ازدحامًا غير مسبوق، فلم يعد الحزن مقتصرًا على الضاحية نفسها، بل كانت الحشود تتوافد من مختلف المناطق اللبنانية. جميع الطرق كانت مليئة بالسيارات، وازدحام الناس كان واضحًا في كل زاوية وشارع، مما أضاف إلى الصورة المشهدية شعورًا من التضامن الشعبي الكامل.
مواقف أهالي الضاحية
الأهالي الذين تواجدوا على جوانب الطرقات، لم يكونوا مجرد متفرجين على هذا المشهد، بل كانوا جزءًا من الصورة الأكبر التي تعكس التمسك بالمقاومة ومشروعها. الأم تلو الأخرى، الرجل تلو الآخر، الكبار والصغار، الجميع كان يذكر من خلال شهاداته اللحظات التي عاشها مع السيد، اللحظات التي كان فيها قائدهم يرافقهم في مسيرتهم.
أبو علي، أحد أبناء الضاحية، قال وهو ينظر إلى الصورة الكبيرة للسيد نصر الله التي كانت تزين جدران الضاحية: "السيد لم يكن فقط قائدًا في الميدان، كان هو الذي يعلمنا كيف نعيش بكرامة، كيف نواجه العدو، وكيف نرفع راية الحق مهما كانت التضحيات". وأضاف "نحن أبناء هذه الضاحية التي خرجت منها المقاومة، ونحن على العهد باقون، لن نتراجع عن درب سيدنا، ولن يغيرنا أي شيء".
أما أم حسين، التي كانت تجلس على الرصيف تحمل صورة السيد نصر الله في يدها، فقد كانت تذرف الدموع بحرقة، وقالت: "عندما بدأنا طريق المقاومة مع السيد، كانت الضاحية كلها صامدة. واليوم، رغم الحزن، سنظل على العهد، لأن مشروع المقاومة الذي بدأه السيد نصر الله لا يتوقف بموت جسده".
الحركة المستمرة للمقاومة
في هذه اللحظات، كانت أصوات التكبير ترتفع في السماء، لتعلن أن هذه الذكرى ليست مجرد وداع، بل هي عهد بالاستمرار على نفس النهج. كان الجميع يردد: "إنا على العهد يا نصر الله"، وكان الوعد بالانتقام للأقصى والقدس دائمًا حاضرًا في كل كلمة.