نزار نصر/ جريدة الأخبار
كما كان متوقّعًا، فُتح البثّ المباشر على كلّ القنوات اللبنانية منذ صباح الأحد لتغطية تشييع الأمينَين العامّين السابقَين لـ«حزب الله» الشهيدَين السيّد حسن نصر الله والسيّد هاشم صفيّ الدين، بما فيها «تلفزيون لبنان» و«المنار» وOTV و«الجديد» وLBCI وNBN و«الميادين»، باستثناء mtv التي أكملت برمجتها العادية وانضمّت إلى التغطية ما بعد الثانية عشر والنصف ظهرًا، وهو الموعد الذي كانت قد حدّدته لتغطيتها في نشرة أخبارها مساء السبت. لكنّ القنوات جميعها أكملت في النقل المباشر حتّى نهاية التشييع مساءً.
نقلت القنوات رسائل المندوبين منذ الصباح، واستضافت الصحافيّين والمحلّلين. وتخلّت القنوات المهيمنة بعض الشيء عن توجّهها الذي طغى أخيرًا بتغليب وجوه مؤيّدة لسياسات الولايات المتّحدة، فكان ضيوفها من «المحايدين» وأخذت آراءً مؤيّدة للمقاومة. واعتمدت «المنار» قبل أيّام شعار «إنّا على العهد» الذي اعتمدته مراسم التشييع، فيما اعتمدت «الميادين» شعار «السيّد الأمّة» في الإشارة إلى الشهيد السيّد نصر الله، واتّخذت من موقع في محيط التجمّع مكانًا لاستديو خاصّ بالمناسبة.
على جبهة «الجديد» التي أثارت صحافيّتها جوزفين ديب الانتقاد في الأيّام الماضية بسبب تحيّزها السياسي الواضح في حواراتها مع الضيوف وتشويشها عليهم عندما لا تؤيّدهم الرأي، رسخ صوت الإعلامية في القناة سمر أبو خليل التي توجّهت بكلمات رثاء للسيّد الشهيد مباشرةً على الهواء، فيما ظهرت ملامح الحزن على وجهها وسُمعت الغصّة في نبرتها.
مقدّمات مؤثّرة لنشرات الأخبار... باستثناء mtv!
تلت «المنار» مقدّمة مؤثّرة لنشرة أخبارها مساء الأحد، لعلّ أقسى كلماتها كانت التالية: «حانت لحظة الوداع، حضر الحزن المؤجّل لأشهر بين الضلوع، واستسلم الجمع الصبور لأمر الله، وظهر السيّد وخليله بين الجموع، مستمعًا هذه المرّة لا خطيبًا بليغًا، قد أتمّ جهاده وأصدق قيلا».
على ضفّة OTV، ابتدأت مقدّمتها كالتالي: «هو اليوم الأكثر حزنًا بالنسبة للمقاومة وبيئة المقاومة خصوصًا، وللّبنانيّين عمومًا. أحبّوا السيّد حتّى كذّبوا الموت وما صدّقوا خبر استشهاده».
ركّزت LBCI على خطاب الشيخ نعيم قاسم، مشيرةً إلى عدم ذكره كلمة «سلاح» وهو ما اعتبرت أنّه «ترك الباب مفتوحًا لإعادة إدخال الحزب إلى كنف دولة متكاملة».
مقدّمة «تلفزيون لبنان» كانت مؤثّرة أيضًا، وكذلك «الجديد» التي شكّلت الكلمات التالية نهايتها: «خرج نصر الله اليوم إلى المرقد الأخير، سيرتاح فيه جسدًا وتطوف روحه قائدًا هزم مرّة «إسرائيل» ووقف مرابضًا مقاومًا ثمّ شهيدًا لأجل فلسطين، لاحقه عدوّه حتّى يوم وداعه وأشرف على النظرة الأخيرة، لكنّه وجد أنّ خلف نصر الله شعبًا أمينًا على العهد، وهو نفسه الشعب الذي سيكون أمينًا على عهد بدأه لبنان، وقوامه الدولة».
كما هو متوقّع، أبت mtv إلّا أن تستغلّ مقدّمتها مساء الأحد من أجل الاستهداف السياسي الرخيص، هذا إن كان يمكن نعته بالسياسي بسبب وقاحته وحقارته التي تعكس ما في بواطن كاتبيه. ارتأت القناة استفزاز أكثر من نصف الشعب، من مختلف الطوائف وليس طائفة واحدة كما يحلو لها ولسائر مؤيّدي الولايات المتّحدة في الداخل القول. ومّما أوردته: «في الشكل، المشهد كان متوقّعًا بشكل أو بآخر. أي أنّ العدد لم يتجاوز سقف التوقّعات وبالتالي لم يكن مليونيًّا كما روّج البعض، فالجميع يعرف أنّ الحزب يملك قاعدة جماهيرية كبيرة يستطيع تحريكها متى شاء.
لكنّ اللافت أنّ التمثيل السياسي كان ضعيفًا. حتّى أنّ حلفاء سابقين للحزب آثروا النأي بأنفسهم عن مراسم التشييع (...) أمّا الوفود التي قيل إنّها ستأتي من كلّ العالم للمشاركة في التشييع، فلم يظهر منها إلّا وفود من إيران والعراق واليمن ومن فلسطين». ليس معروفًا أيّ حلفاء سابقين تعنيهم القناة، لكن من المرجّح أنّها تشير إلى عدم حضور رئيس «التيّار الوطني الحرّ» جبران باسيل بشخصه.
هكذا، تجاهلت القناة أنّ مراسم التشييع شُبّهت بتلك الخاصّة بجمال عبد الناصر، والتقديرات بعدد المشاركين وصلت إلى مليون و400 ألف، رغم منع وصول الطائرات الإيرانية وإغلاق الحدود مع سوريا، والحرارة الباردة، ومع الأخذ بالاعتبار النسبة من العدد الإجمالي السكّان. فوق ذلك، اختصرت المشاركين الذين أتوا من كلّ حدب وصوب بـ«قاعدة جماهيرية تُسيّر»، كأنّ جميعهم من المنتمين إلى الحزب، أو أنّ الشخصية التي أتوا من أجلها لم تكن قائدًا أمميًّا مقاومًا حرّر بلده وهزم احتلالًا ظُنّ يومًا أنّه لا يُهزم، أو أنّ الدموع التي ذرفوها «حرّكها الحزب متى يشاء»! كذلك، عتّمت على المشاركة الواسعة من مسؤولين وسياسيّين لبنانيّين ومن شخصيّات عالمية، منها حفيد نلسون مانديلا وابنة تشي غيڤارا، ووصلت حتّى إلى مشاركة حاخامات يهود أميركيّين.
القنوات العربية والعالمية
سُجّل حضور واسع للإعلام العربي والعالمي، فحضر الصحافيّون من عشرات الدول لتغطية التشييع الذي حجز مكانًا له في عناوين نشرات الأخبار حول العالم بمختلف اللغات.
عربيًّا، نقلت قنوات الحدث من كلّ الدول العربية تقريبًا، بما في ذلك قنوات خليجية معارضة. لكنّ الإعلام الخليجي المهيمن، بما فيه «الجزيرة» و«العربية» و«الحدث»، اختار التعتيم، فنقل مقتطفات فقط، بالإضافة إلى كلمة الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم. وأثارت «الجزيرة» تململًا بين الجمهور العربي الداعم للقضية الفلسطينية، الذي اتّخذ من منصّات التواصل مكانًا للاعتراض. إذ إنّ القناة أكملت برمجتها بشكل اعتيادي حتّى على شقيقتها «الجزيرة مباشر».
أمّا «الحدث» فركّزت على النقاط السلبية ولا سيّما مع خرق مقاتلات صهيونية الأجواء اللبنانية وتحليقها بعلوّ منخفض في مكان التشييع، بالإضافة إلى غارات طالت مناطق لبنانية، وهو ما استغلّته القناة في محاولة لتصوير المقاومة على أنّها مهزومة. من جهة أخرى، برزت قناة «BBC عربي» في التغطية المباشرة منذ الصباح، رغم تطعيم بعض موادّها بسرديّات العدو، وأكملت حتّى انتهاء الفعالية في مدينة بيروت الرياضية. كما نقلت قناة «تيليسور» اللاتينية بعضًا من مراسم التشييع، وكذلك فعلت بشكل أقلّ قناتَا RT الروسية وTRT التركية الناطقتان بالعربية.