بول مخلوف/ جريدة الأخبار
أعلام شيوعية حمراء ترفرف في المدينة الرياضية، مكان تشييع السيد حسن نصر الله. حاملو هذه الأعلام جاؤوا من كل أصقاع الأرض لحضور جنازة «الرفيق» المهيبة، للمشاركة في مراسيم الوداع لواحد من آخر القادة الأمميين.
قبل يومين، نشرت بعض الوسائل الإعلامية تقارير عن هذا الحدث الاستثنائيّ، ضمّت مقابلات مع بعض هؤلاء الذين قدموا من: إيرلندا، تونس، برازيل، أميركا، أفريقيا... لماذا أتيت؟ «عندما تدرس تاريخ الثورات والنضال ضد الإمبريالية، هناك أشخاص يخرجون ويلمعون، السيد حسن نصر الله واحد منهم» قال أحدهم.
«كان يفكر في تحرير العالم» قال آخر. «إنه رجلٌ نبيلٌ بحق» قالت عنه مناضلة عتيدة من إيرلندا. هؤلاء هم أحرار العالم. لقد كانوا حاضرين دومًا في خطابات أمين عام «حزب الله» السيد نصر الله. لقد كانوا حاضرين في وجدانه وأدبياته. كانوا «رفاقه» الذين توّجه إليهم مباشرةً، في يومٍ من الأيام، حين دعاهم للتظاهر في عواصم بلدانهم لتشكيل ضغط سياسي وشعبي يرفض الإبادة ويدين "إسرائيل".
هكذا تخرج القضية من طابعها المحلي وتأخذ بعدها الكونيّ. هذا ما حدث بالفعل. رأينا اعتصامات الطلاب في جامعة كولومبيا الأميركية، رأيناهم يجلسون في الحديقة، يحملون أعلام فلسطين وأعلام «حزب الله».
عند القادة الاستثنائيين، تحضر السياسة حتى في لحظة الغياب. الأثر لا يموت. يبلغ الشجن أعلى مستوياته. يذرف أحرار العالم، المناهضون للاستعمار، محتقرو إسرائيل، الدموع لكن في خضّم هذه اللحظة المأساوية، الكلّ يتبنى شعار الجنازة المهيبة الذي رفعه «حزب الله»: «إنا على العهد».
العهد هو القضية. القضية هي تحرير فلسطين، وهي الانحياز إلى «المعذّبين في الأرض» بكلمات فرانز فانون. يتحوّل الجرح الإنساني، الشعور بالفاجعة، إلى مناسبة ثورية.
على هذا النحو، تتجدد القضية. وبتجددها تتجسّد مقولة السيد «نحن لا نهزم». هذا هو الفرق بين المشهد كونه فسحةً استعراضية، وبين التراجيديا كونها مشهدًا مكثفًا تختلط فيها موجات متدفقة من النقائض. هنا يبزغ الجليل: يصير الموت بعثًا.
استطاع هذا الرجل طوال حياته، توليف ما كان عصيًا على الجمِع عند الكثير من حركات التحرّر والتحرير. نجح في مواءمة بُعدين يوحي انصهارهما بأنّه مهمة شبة مستحيلة: البعد القومي والبعد الطبقي. لم يكن السيد نصر الله رجلًا مدهشًا فحسب، لقد كان رجل الدهشة. ننظر إلى أحرار العالم هؤلاء، ونراهم يرفعون أعلامهم. إذا كانت القضية كونيّة، فوجود هؤلاء يثبت أنّنا إزاء تشييع قائد عالمي: كان أخطر رجل في العالم، تطلّب اغتياله 85 طنًا من المتفجرات ورعاية رسمية من أميركا والأمم المتحدة.
أعلام شيوعية حمراء ترفرف في المدينة الرياضية مكان تشييع السيد حسن نصر الله. شبح نصر الله يطوف في الأرجاء ويخيف القتلة. الطائرات الحربية التي استعرضت في سماء بيروت خير دليل. أحرار العالم تعرّفوا عن كثب إلى صوت الطائرة التي قتلت القائد الرفيق.