أوراق ثقافية

الكوفية ترفرف على خشبات العالم

post-img

منذ انطلاق عملية «طوفان الأقصى» في العام 2023، دخلت الرموز الفلسطينية بقوة إلى عالم الموضة. فقد تسابق النجوم العالميون إلى ارتداء هذه الرموز بطرق مبتكرة، تعبيرًا عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني الذي تعرّض في قطاع غزّة إلى إبادة جماعية شنّها عليه الاحتلال الصهيوني، واستمر في ارتكاب جرائمها لأكثر من عام.

في المقابل، سارع مصمّمو الأزياء العالميون إلى توظيف هذه الرموز في مجموعاتهم، مقدمين تصاميم عصرية تتماشى مع أحدث الصيحات، بينما لجأت متاجر الألبسة والمجوهرات إلى بيع قطع تحمل الرموز الفلسطينية والترويج لها.

في العام الماضي، قدّمت مصممة الأزياء النرويجية ليلى حفظي عرض أزياء في النرويج لمجموعة مستوحاة من ألوان العلم الفلسطيني. ورغم طابعها التقليدي، إذ اعتمدت الفساتين البيضاء الفضفاضة المطرزة بألوان العلم الفلسطيني أو المكملة بشالات تحمل الألوان ذاتها، فقد لاقت المجموعة اهتمامًا واسعًا.

اختتمت حفظي العرض بتشكيل علامة النصر بيديها، مرتدية فستانًا فضفاضًا بألوان العلم الفلسطيني.

أما في «أسبوع الموضة» في باريس العام الماضي، فقد افتتح المصمّمان هوسبي وإيشيك، مؤسسا دار الأزياء GmbH، عرضهما وهما يرتديان الكوفية، مرفقين ذلك بخطاب يدعو إلى وقف إطلاق النار. وشمل العرض تصاميم زاخرة برموز التضامن مع فلسطين، من بينها بدلات مستوحاة من الكوفية الفلسطينية، صُنعت يدويًا بالتعاون مع لاجئين فلسطينيين.

تحت عنوان «حرّة»، أطلق المصمّم المصري محمد نور مجموعة مستوحاة من نقوش الكوفية الفلسطينية في العام الماضي.

حرص نور على الحفاظ على الخصوصية الشرقية في تصاميمه، مقدّمًا فساتين فضفاضة، بعضها أشبه بالعباءة، تعتمد على نقوش الكوفية وتطعيمات بالتطريز الفلسطيني، لكنه نجح في تحويلها إلى أزياء عصرية تتماشى مع أحدث صيحات الموضة.

أما المصمم الهولندي المغربي عزيز بكّاوي يواصل منذ عامين تقديم تصاميم مستوحاة من ألوان العلم الفلسطيني ونقوش الكوفية. لكن ما يميز أعماله عن غيرها هو عدم حصرها في ملابس المناسبات الرسمية فقط، بل توظيفها في تصاميم تناسب الحياة اليومية: من الكوفية وألوان العلم الفلسطيني، يبتكر بكّاوي أزياء تحمل مواقف ورسائل، تجمع بين الجرأة والعصرية، وتلائم الرجال والنساء والأطفال على حد سواء. يتجاوز عمل بكّاوي البُعد الجمالي، إذ يخصص جزءًا من أرباحه، عبر تعاونه مع جمعية «بيت فلسطين»، لدعم الصحافيين المستقلين والنشطاء والفنانين الملتزمين برفع الوعي حول النضال الفلسطيني.

هذا؛ وفيما كان مصمّمو الأزياء يبتكرون تصاميم مستوحاة من القضية الفلسطينية، ظهر عدد من النجوم العالميين في المناسبات والمهرجانات الدولية وهم يرتدون ملابس تُعبّر عن تضامنهم مع فلسطين، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. بعضهم اختار الكوفية، وآخرون ارتدوا أزياء بألوان العلم الفلسطيني، بينما فضّل آخرون تزيين ملابسهم بدبابيس تحمل شعار «البطيخ»، الذي يرمز إلى علم فلسطين، أو ببساطة دبابيس وإكسسوارات تحمل عبارة «الحرية لفلسطين».

كانت إطلالة الممثلة الأسترالية كيت بلانشيت في «مهرجان كان السينمائي»، في العام 2024، من أكثر الإطلالات ذكاءً ورواجًا، في العامين المنصرمين.

في ظل التحذيرات من «إقحام السياسة» في الدورة الـ77، ارتدت بلانشيت فستانًا من تصميم دار «جان بول غوتييه» باللونين الأبيض والأسود، لكن اللافت كان أنّها رفعت طرفه أمام الكاميرات، لتكشف عن بطانة خضراء، تشكّل مع السجادة الحمراء تكوينًا بصريًا يرمز إلى العلم الفلسطيني. وقد أثارت هذه الخطوة ضجة واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

أما عارضة الأزياء الأميركية من أصول فلسطينية بيلا حديد، فقد خطفت الأنظار في أثناء تجوالها في مدينة «كان» الفرنسية العام الماضي، مرتدية فستانًا أحمر مزينًا بنقوش الكوفية الفلسطينية، من تصميم «مايكل آند هوشي».

في احتفال توزيع جوائز «الأوسكار» الأخير، ظهر الممثل الأميركي غاي بيرس وهو يرتدي دبوسًا يحمل عبارة «الحرية لفلسطين». ولم تكن هذه المرة الأولى التي يعبّر فيها عن تضامنه، إذ سبق أن ظهر في «مهرجان كان السينمائي» 2024 مرتديًا دبوسًا يحمل العلم الفلسطيني. وقد أثار ذلك جدلًا واسعًا حينها، خصوصًا بعدما حاولت مجلة «فانيتي فير» الأميركية، التلاعب بصورته لإخفاء العلم الفلسطيني.

هؤلاء النجوم لم يكونوا الوحيدين الذين عبّروا عن تضامنهم عبر الموضة، لكنهم كانوا الأكثر جدلًا وتأثيرًا.

دائمًا ما كانت الموضة وسيلة للتعبير عن المواقف والأفكار، كما تعكس شخصية مرتديها. وأمام هذا التضامن الواسع مع القضية الفلسطينية عبر الأزياء، انقسم الرأي العام كالعادة، بين من يرى أنّ المصممين والمتاجر يستغلون الرموز الفلسطينية لتحقيق الأرباح، وبين من يرى أن الأهم هو إبقاء القضية الفلسطينية حاضرةً في الأذهان، بصرف النظر عن النوايا التجارية.

لكن في ظل القمع المتزايد ضد كل من يعلن تضامنه العلني مع فلسطين، هل يمكن عد هؤلاء المصممين مستغلين؟ أم أنهم يخوضون مغامرة شجاعة قد تقمع مسيرتهم المهنية؟ وفي النهاية، تبقى الكوفية الفلسطينية والتطريز اليدوي الذي أبدعته النساء الفلسطينيات أولى علامات الموضة الفلسطينية.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد