اوراق مختارة

هل تعود الحرب على لبنان؟

post-img

الأخبار

الحافزية والاستعداد والرغبة بمواصلة الحرب، كانت جلية لدى العدو منذ لحظة إعلان اتفاق وقف إطلاق النار في غزة. لم يكذّب بنيامين نتنياهو عندما قال إن ما يهمّه هو المرحلة الأولى فقط، لكسر الحلقة المفرغة حول مصير الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة في فلسطين، ليس حرصاً على مصيرهم، بل لكونه سياسياً يحتاج إلى خطوات من هذا النوع.

وما لا يختلف عليه اثنان في كيان الاحتلال أنه لم يعد ممكناً التوقّف عن الحرب حتى التخلص من شعب غزة. والحرب التي فُتحت من جديد، سيكون هدفها الوحيد إعادة حلقة الدم لتلفّ القطاع وأهله، مع فتح كوة في الجدار لدفع الناس إلى الهجرة.

هل يقتصر الأمر على غزة؟

بالتأكيد لا، لأن حافزية إسرائيل على مواصلة الحرب مع بقية أطراف محور المقاومة آخذة في الارتفاع. ولنراجع الجبهات واحدة تلو أخرى:

- في الضفة الغربية، تواصل قوات الاحتلال عمليات القضم والتهجير، وصولاً إلى هدف أولي بإفراغ كل المخيمات الفلسطينية في الضفة من سكانها ودفعهم خارج فلسطين. وفي الضفة أيضاً، قرار يُنفّذ يومياً بالإجهاز على ما بقي من هيكل السلطة الفلسطينية، والإبقاء على من يدير الأمور المحلية وفق شروط الاحتلال، وقد ارتفع منسوب الضغط مع تورط قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية في السير بمشروع قتل المقاومين واعتقالهم.

- في سوريا، لا تجد إسرائيل سبباً لوقف عملياتها التوسعية، سواء بالاحتلال المباشر في مناطق أو بالسيطرة الأمنية والنارية على مناطق أخرى، والتقدم خطوات في مشروع إنشاء دويلة طائفية تفصل بين حدود الكيان والداخل السوري، وهي تعدّ مشروعاً قد يحتمل في لحظة ما، قضم بعض الأراضي من الأردن نفسه لزوم إنشاء هذه الدويلة. ولا تهتم إسرائيل لهوية الحاكم في دمشق، سواء كان بشار الأسد أو أحمد الشرع، لأن ما يهمها هو ألّا تكون سوريا موحّدة، وأن لا تبقى فيها قوة من أي نوع.

مثلما تجد إسرائيل نفسها غير مكتفية بما فعلته في غزة، ترى أن حربها على لبنان لم تسقط الأخطار عنها، وبرنامجها العملي هو القتال وفق مبدأ وحدة الساحات وصولاً إلى إيران

- في العراق، جهد استخباراتي واسع بالتعاون مع الأميركيين تمهيداً لضربات أمنية حيث أمكن، وحتى القيام بضربات عسكرية مباشرة إذا تطلّب الأمر. والجهد هدفه ليس إنهاء تواجد الفصائل المنخرطة في محور المقاومة، بل قطع التواصل بين العراق وبلاد الشام. كما أن إسرائيل مهتمة بتوسيع دائرة نفوذها على كل الحدود الشرقية لسوريا، ويتكل العدو على جهود أميركية كبيرة لإعادة إحياء الفتنة داخل العراق، ليس بهدف إضعافه فقط، بل لخلق مناخ عام يدعو إلى الابتعاد عن إيران والتخلي عن أي صلة بشيء اسمه فلسطين.

- في اليمن، تفترض إسرائيل أن على الولايات المتحدة تشكيل تحالف جدّي، تكون إسرائيل طرفاً فيه، ويضم دول الخليج العربية وبعض الدول الأفريقية، للإطاحة بـ«أنصار الله» وتدمير قدراتهم وإبعادهم عن الحكم في صنعاء، وهي عملية لا تقتصر على ضربات عسكرية أميركية، بل تحتاج إلى عمليات أمنية كبيرة تعمل إسرائيل جاهدة لتوفير الأرضية لها، بالتزامن مع جهد مركزي لإعادة إشعال الحرب الأهلية بين شمال اليمن وجنوبه، وسط تعاون لافت مع دولة الإمارات العربية وحثّ للسعودية على العودة إلى الانخراط بكل قوة في الحرب.

- في إيران نفسها، لا تزال إسرائيل تفكر، وهي محقّة، في أن الجمهورية الإسلامية تمثّل نقطة المركز في كل المحور المقابل لها. وهي لا تريد أن تسمح لها أميركا بشنّ عمليات عسكرية ضد منشآت مدنية أو عسكرية أو نووية في هذا البلد، بل تريد أن تقود واشنطن تحالفاً عسكرياً للضغط على إيران ودفعها إلى انفجار داخلي يطيح بالنظام فيها.

ولن تتوقف إسرائيل عن القيام بكل الاستعدادات اللازمة لشنّ هذه الحرب، وتتعاون معها الإدارة الأميركية التي تعتقد بأن بمقدورها «تربية» العالم كله من خلال ضربة كبيرة لإيران، علماً أن إسرائيل تنظر إلى القضاء على التهديد الإيراني كمفتاح أساسي للتخلص من كل محور المقاومة، خصوصاً في لبنان وفلسطين.
يبقى لبنان، فما العمل؟

عندما وافقت إسرائيل على اتفاق وقف إطلاق النار، كانت تحسب ما يجري على الأرض. صحيح أنها وجّهت ضربات غير مسبوقة إلى حزب الله، لكنها صُدمت بأن الحزب لم ينهَرْ بعد أسبوعين كما كانت تفترض.

والعاملون في الحقلين العسكري والأمني في كيان العدو يعرفون أن الأمر لم يكن يتعلق بضرب القدرات العسكرية، لأنه يصعب على إسرائيل ادّعاء القدرة على تدمير كامل قدرات الحزب، بل يتعلق بإدارة هذه القدرات، أو ما يُعرف في الحروب بإدارة النار، وهي مهمة لها ذراعان، سياسية وعسكرية.

وقد اكتشف العدو في الأسبوع الأخير من تشرين الأول الماضي، أن الانهيار غير وارد، فقرّر الانتقال إلى مستوى من الضغط الهادف إلى فرض وقائع سياسية وميدانية مختلفة. لكن تطور الأمور لم يأت بالنتيجة المطلوبة، فسارت إسرائيل نحو اتفاق يمكن القول إنه مناسب لها من حيث طبيعته، لكنها كانت مضطرة إليه.

ومع ذلك، لم تكن إسرائيل تعتبر أن الملف أُقفل مع لبنان، بل ازدادت قناعة بأن الملف بات مفتوحاً بطريقة مختلفة عن السابق. ولذلك، جاءت الضغوط الداخلية على لبنان، وتمثّلت في شكل آلية تنفيذ قرار وقف إطلاق النار، وما تبعها من تطورات سياسية في لبنان وتشكيل سلطة جديدة تخضع للوصاية الأميركية.

وما حصل حتى الآن يؤكد لإسرائيل أن المشكلة لا تزال موجودة في لبنان، وأن حزب الله لم ينته، وأنه قادر على إعادة بناء نفسه بطريقة مختلفة.

وكل ما تقوم به قوات الاحتلال اليوم، هو إعادة تكوين بنك أهداف جديد، ومحاولة الوصول إلى العقل الجديد الذي يدير حزب الله في مرحلة ما بعد الحرب، تمهيداً للعودة إلى الحرب من جديد، بمعزل عن شكل هذه الحرب وطبيعتها ومساحتها وآلياتها وأدواتها.

لكن ما يقلق إسرائيل في الساحة اللبنانية، لا يقتصر على احتمالية المواجهة البرية الكبيرة مع حزب الله، بل في أن المقاومة تملك القدرة على إيذاء العدو من خلال قوتها الجوية والصاروخية.

وهذا ما يجعل العدو يمارس أقصى الضغوط من خلال الغارات المتواصلة والاغتيالات لعناصر من المقاومة، إضافة إلى الضغط السياسي لجعل السلطة في لبنان، تنتقل إلى مربع مَن يمنع حزب الله من القيام بأي عمل يمكن أن يشكل تهديداً لإسرائيل، علماً أن الأميركيين يعتقدون بأن الأمر ممكن من خلال دفع لبنان إلى مفاوضات سياسية تقود إلى تطبيع مع العدو. أما إسرائيل التي تعرف لبنان أكثر من الأميركيين، وترغب بعلاقات سياسية معه، فإنها تعرف أن تحقيق أمر كهذا يحتاج إلى حرب كبيرة، ربما تتجاوز بحجمها واتساعها اجتياح عام 1982.

ما سبق، يقودنا إلى استنتاج وحيد، هو أن إسرائيل لن تتوقف عن العدوان والقتل والاحتلال، وأن الأمر لم يعد يتعلق باحتلال فلسطين فقط، بل بتوسيع النفوذ والاحتلال ليشمل كل دول الطوق، والتدخل إلى أبعد الحدود في أوضاع هذه الدول، وهو ما يوجب على من يهمّه استقرار المنطقة، أو بقاء لبنان على الخريطة، أن ينظر إلى الأمر من زاوية أن العدو ليس في وارد شراء وعود وضمانات وعهود، بل في وارد أمر واحد: القيام بالمهمة بنفسه، وفق ما يراه الأنسب له... وهذا ما يقودنا إلى التوضيح، مجدّداً، بأن خيار المقاومة ليس ترفاً سياسياً أو عملاً أخلاقياً، بل فعل إنساني لا بديل عنه، مهما كانت الأكلاف.

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد