حسين كوراني/ خاص موقع "أوراق"
بات واضحًا أن ما يجري على الحدود الشرقية الشمالية اللبنانية ليس بريئًا، وانما تقف وراءه أجندات خارجية بغية توريط لبنان في حرب أهلية، وتحديدًا بين السّنة والشيعة، والمستهدف منها حزب الله وسلاحه، وهذا الأمر الخطير له دلالاته السياسية على أرض الواقع.
ليست المرة الأولى التي تشهد فيها الحدود اللبنانية ــ السوريّة اشتباكات بين "هيئة تحرير الشام" من جهة، والجيش اللبناني والعشائر اللبنانية من جهة أخرى، وخاصة في مناطق حوض العاصي والهرمل. وقد جاءت هذه المواجهات في وقت أثارت فيه تساؤلات عدة حول أسبابها، تداعياتها، والأطراف المستفيدة منها، في ظل ما تشهده المنطقة من اعتداءات صهيونية متمادية على لبنان وسوريا وغزة والضفة الغربية.
وما حصل خلال اقل من شهرين وخاصة في اليومين الماضيين من تسعير للمواجهات من قبل عناصر "تحرير الشام"، واقدامها على تهجير وتدمير واعتقال وقتل اللبنانيين من الطائفة الشيعية الذين يحمل بعضهم الجنسيتين اللبنانية والسورية ويملكون مزارع وأراضٍ ومنازل منذ عشرات السنين ومندمجين ومتأقلمين مع الشعب السوري في تفاصيل حياته الاجتماعية والمعيشية والتربوية، فضلًا عن حالات المصاهرة الواسعة بين مختلف العائلات من البلدين، ليس إلا أمر مخطط له مسبقًا من قبل الحكومة السورية المؤقتة، لجر الشيعة الى موجة قتال جديدة بعد حرب طاحنة استمرت لشهرين بين حزب الله و"إسرائيل".
وفي تفاصيل يومي السبت والأحد الماضيين، أقدم أحد رجال العشائر من قرية حوش السيد علي على أطلق النار على ثلاثة سوريين حاولوا سرقة أغنامه وأرداهم قتلى، وسرعان ما تبنّت حكومة الجولاني هؤلاء القتلى وبعثت بتعزيزات كبيرة الى المنطقة والاعتداء على الأهالي بالقصف، فاضطرت العائلات والعشائر اللبنانية إلى ردع العدوان والدفع بالجيش اللبناني إلى التدخل بقوة، ما حوّل الوئام التاريخي بين الشعبين السوري واللبناني في هذه المنطقة إلى مآسٍ حقيقية.
وسرعان ما زعمت وزارة الدفاع السورية أن مجموعة من حزب الله "قامت عبر كمين بخطف ثلاثة من عناصر الجيش السوري على الحدود قرب سدّ زيتا غرب حمص واقتادتهم إلى الأراضي اللبنانية وقامت بتصفيتهم ميدانياً".
في المقابل، نفت العلاقات الإعلامية للحزب، في بيان، "بشكل قاطع ما يتم تداوله بشأن وجود أي علاقة لحزب الله بالأحداث التي جرت اليوم على الحدود اللبنانية ــ السورية ولا علاقة بأي أحداث تجري داخل الأراضي السورية".
هذه الأحداث جاءت في توقيت تثير الريبة وتطرح عدة تساؤلات: لماذا حدثت في جزء من حدود البلدين البالغ طولها 335 كلم، وتحديدًا في قرى العشائر الشيعية،
وبالتزامن عما تقوم به قوات العدو الإسرائيلي من قضم أراضي في جنوب لبنان وتوسيع المنطقة العازلة منعاً لعودة الأهالي إلى قراهم وبالتالي تكريس الاحتلال للنقاط الاستراتيجية بشكل دائم. كما أن تنفيذ عملية عسكرية إسرلئيلية عبر الجنوب السوري أمر وارد ويهدف الى تثبيت طوق عسكري على البقاع اللبناني وصولاً إلى التحام لوجستي وعملياتي مع التنظيمات المتشددة المتواجدة على الحدود السورية ما يمنع نهائياً تسرب أي دعم إيراني سواء بالسلاح أو المال لحزب الله. ورغم ذلك، ثمة من يؤكد أن لبنان لم يعد في وارد الدخول في أي حرب إسناد، فاتفاق وقف إطلاق النار أنهى وحدة الساحات.
وما يثير التساؤل أيضًا أن العدو تُرك يسرح ويمرح حيث يشاء على الأراضي السورية، وغضت حكومة الجولاني الطرف عن الجرائم التى يرتكبها هذا العدو بحق شعبها. ولم تطلق رصاصة ولا بيان ضده في وقت ينتهك الإقليم السوري ويقصف ويدمر ويحتل أراضي سوريا؟.
وعلى الصعيد اللبناني، كان لافتًا أنّ إعلان تشكيل لجنة وزارية "لاقتراح التدابير اللازمة لضبط الحدود ومراقبتها، ومكافحة التهريب، ورفع المقترحات إلى مجلس الوزراء”، أتى في سياق سياسة مواجهة التهريب، وليس على قاعدة إدانة حزب الله بالتورّط عبر استدراج الطرف السوري إلى مواجهة حدودية، وهو ما يعني تبنّي نفي الحزب لضلوعه بالمواجهات، والتسليم بواقع سيطرة العشائر، وتحييده بالمعطى العسكري وليس بالضرورة لجهة ارتباطه بملفّ التهريب.
وما يؤكد ذلك، نفي ضابط رفيع المستوى في الجيش اللبناني عبر تصريح لصحيفة "الأخبار" أي علاقة لحزب الله بالاشتباكات التي دارت عند الحدود اللبنانية ــ السورية، مؤكداً أن «مطلب القيادة كان الرد على مصادر النيران من قبل الجيش فقط». وكشف أن «ما حصل قد يؤثر بشكل مباشر في السلم الأهلي في مختلف المناطق اللبنانية، وخصوصاً الشمالية، وقد يثير بعض الفتن، لذا يجب تحذير المواطنين من القيام بأي عمل قد يهدّد السلم الأهلي ويثير نعرات طائفية».
إلى ذلك، أكّد منسّق الحكومة اللبنانية السابق لدى قوات "اليونيفيل"، العميد المتقاعد منير شحادة أن "الاستقرار في سوريا هو مطلب لبناني قبل أن يكون مطلباً سورياً، ومن يدّعي أن المقاومة تسعى إلى تسعير الفتنة في سوريا، فهذا لا يستقيم على أرض الواقع، لأننا إذا خيّرنا المقاومة بين السلم الأهلي في لبنان وبين جعل طريق الإمداد مؤمناً عبر الأراضي السورية، فستختار السلم الأهلي بالتأكيد".