صحيفة الأخبار
لا يزال لبنان يتهيّب من استدراجه عبر "مجموعات العمل الدبلوماسية" إلى مباحثات مباشرة مع العدوّ "الإسرائيلي" كخطوة أولى على طريق التطبيع، خصوصًا مع انتقال الولايات المتحدة إلى مستوى جديد من الضغط، عبر الطلب إلى لبنان إعداد فريق غير عسكري في مهلة لا تتجاوز نهاية الشهر الجاري، لبدء البحث في النقاط التي أعلنت عنها نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس، وتشمل ملفات الأسرى اللبنانيين والتلال الخمس التي أبقتْها "إسرائيل" تحت الاحتلال والنقاط البرية الخلافية الـ 13 على الخط الأزرق.
ومع كلّ الإيحاءات التي أعلنها العدوّ والولايات المتحدة حول دبلوماسية التفاوض على القضايا العالقة، فإن لبنان المُحاصر بين مثلّث الضغوط القصوى الأميركية - الإسرائيلية والموقف العربي المستسلِم للتطبيع والاعتبارات الداخلية، لا يبدو قادرًا على اتّخاذ قرار رسمي في هذا الشأن، وإبلاغه إلى الولايات المتحدة. فما خرجَ من مواقف على لسان مسؤولين، من بينهم وزير الخارجية يوسف رجي عن أنه "لم يصلنا أي موقف رسمي حول ما يُشاع عن تطبيع مع "إسرائيل"، وهذا الموضوع ليس مطروحًا نهائيًا"، لا ينفي وجود ضغط جدّي على الدولة اللبنانية للسير في مشروع التطبيع وربطه بعملية إعادة الإعمار، ولا يُعفي الدولة من مسؤولياتها في التعامل مع هذا الأمر، في وقت تبدو السلطة السياسية غائبة تمامًا.
وفي سياق "الضغوط القصوى" التي تمارسها في المنطقة ضدّ كلّ خصوم "إسرائيل"، بعثت الإدارة الأميركية برسالة عاجلة إلى المسؤولين اللبنانيين، تولّت أورتاغوس نقلها شخصيًا إلى الرؤساء، تطلب فيها التجاوب السريع مع طلب المحادثات السياسية المباشرة حول النقاط الخلافية مع "إسرائيل". ونقلت مصادر مطّلعة عن مسؤول لبناني أن الجانب الأميركي تحدّث بلهجة تهديد، وأن المسؤولة الأميركية قالت إن المفاوضات المباشرة هي السبيل الوحيد لمعالجة النقاط الخلافية. وفي حال قرّر لبنان عدم التجاوب، لا يرى الجانب الأميركي داعيًا لاستمرار عمل لجنة الإشراف على اتفاق وقف إطلاق النار.
وتحدّثت المعلومات عن تهديد أميركي بالانسحاب من لجنة الإشراف ووقف أي ضغط على "إسرائيل" للانسحاب من النقاط المحتلة أو إطلاق سراح الأسرى. والأهم أن الأميركيين أشاروا إلى أن "إسرائيل" ستكون في حلّ من أي التزام تجاه الأمن في لبنان، وهو ما اعتبر مسؤول لبناني بارز أنه يشبه ما قامت به الإدارة الأميركية عندما قدّمت الغطاء لـ"إسرائيل" للخروج من اتفاق وقف إطلاق النار في غزّة، وتغطية استئناف الحرب ضدّ الفلسطينيين في القطاع.
وعلمت "الأخبار" أن رئيس الجمهورية جوزيف عون اقترح عقد اجتماع رئاسي مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نواف سلام للبحث في الكلام الأميركي عن اللجان، لكنّ الاجتماع لم يحصل حتّى الآن، مع ترجيحات بأن يكون هناك لقاء على هامش الإفطار الذي سيقام في بعبدا اليوم لمناقشة الأمر.
وبحسب المعلومات، فإن فريق رئيس الجمهورية يقترح أن يقدّم لبنان تصوّرًا مقابلًا، لا يلتزم فيه بالمباحثات السياسية وفي الوقت نفسه لا يرفض الطرح الأميركي، وذلك بإضافة خبراء وتقنيين مدنيين إلى الوفد العسكري المشارك في لجنة الإشراف على تنفيذ قرار وقف إطلاق النار، يشبه ما فعله لبنان في مرحلة التفاوض على الحدود البحرية، ما يمكّنه من التوصّل إلى تفاهم سريع. ولم يتضح موقف رئيس المجلس من الاقتراح، في ما لا يبدو رئيس الحكومة معترضًا من حيث المبدأ، وإن كان قد التزم أمام فريق وزاري بأنه "لن يكون شريكًا في مفاوضات تقود إلى تطبيع مع العدو".
وتقول أوساط سياسية بارزة إن محاولة واشنطن وتل أبيب رسم مستقبل المنطقة بالحديد والنار، تضع الجميع في حالة من الصدمة والقلق، في ظل التخوف من أن يعمَد العدوّ إلى استئناف حربه على لبنان بالتوازي مع غزّة، والعدوان الأميركي على اليمن الذي "أتت ساعته" بحسب الرئيس دونالد ترامب، خصوصًا أن واشنطن وتل أبيب تتصرفان من دون أي اعتبارات أو خطوط حمر.
ولذلك، فإن المعنيين يشعرون بالتخبط، ويظهر جليًا غياب التوازن السياسي الذي يسمح بأن يكون للبنان موقف موحّد، خصوصًا أن أطرافًا داخلية تعتبر أن الفرصة الآن مؤاتية لتحقيق ما لم يكن بالإمكان تحقيقه سابقًا، وهو توقيع اتفاقية سلام مع "إسرائيل"، ركونًا إلى الحرب الأخيرة واقتناعًا من هذه الأطراف بأن الجو الدولي سيضغط بكلّ السبل لتنفيذ هذا المشروع، وأن الولايات المتحدة مصرّة على الذهاب بعيدًا للتخلص من حزب الله الذي لن يكون بمقدوره الوقوف في وجه اتفاق من هذا النوع.
ومع عودة الحرب على غزّة، والتخوف من تداعياتها على الجبهة اللبنانية، استؤنفت الحركة الغربية تجاه بيروت التي زارتها وزيرة خارجية ألمانيا أنالينا بيربوك، وأكّد الرئيس عون أمامها أن "استمرار احتلال "إسرائيل" لأراضٍ وتلال في الجنوب، يُعرقل تنفيذ القرار 1701 ويتناقض مع الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه في تشرين الثاني الماضي"، مشيرًا إلى أن "إسرائيل رفضت كلّ الاقتراحات الّتي تقدّم بها لبنان لإخلاء التلال الخمس، وهي لا تزال تحتفظ بعددٍ من الأسرى اللبنانيين". ومن المفترض أن يزور المبعوث الفرنسي إلى لبنان جان إيف لودريان بيروت الثلاثاء المقبل قبل أيام من زيارة عون لباريس في 28 الجاري، علمًا أن لودريان بات مكلّفًا بملف مساعدة لبنان على إعادة الإعمار.