محمد خواجوئي (الأخبار)
يبدأ العام الإيراني الجديد، اليوم في الـ21 من آذار (عید النوروز)، بعد آخر، صعب ومليء بالأحداث شهدته البلاد؛ بدءًا من وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي في حادث تحطُّم مروحية وما أعقب ذلك من انتخابات رئاسية مبكرة أسفرت عن فوز التيار المعتدل، إلى مواجهتَین مباشرتَين مع "إسرائيل"، فضلًا عن الضربات التي تلقّاها العديد من حلفاء طهران البارزين في جبهة المقاومة.
كذلك، ينطلق هذا العام، في ظلّ واحدة من أصعب الفترات التي تمرّ بها الجمهورية الإسلامية، على الصعيدَين الاقتصادي والسياسي، في ما وضعت توجّهات الرئیس الأميرکي، دونالد ترامب، البلاد، أمام خيارات صعبة ومحدودة للغاية. وقال المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، إن العام المنصرم "كان مليئًا بالتطوّرات والأحداث المتتالية، بما يشبه أحداث عقد الثمانينيات، مصحوبًا بصعوبات أمام الشعب".
وفي رسالته لمناسبة بدء السنة الجديدة، أشار خامنئي، أمس، إلى "ضغط المشاكل الاقتصادية والصعوبات المعيشية"، خاصة في الأشهر الأخيرة، مع تولّي ترامب منصبه، وتبنّيه سياسة "الضغوط القصوى" ضدّ إيران، مسمّيًا العام الجديد بـ"عام الاستثمار من أجل الإنتاج"، بهدف "إيجاد انفراجة في المعيشة". وإذ لم يتطرّّق المرشد الإيراني إلى رسالة ترامب الأخيرة، فهو ذكر الولايات المتحدة، واصفًا إيّاها بشريكة "إسرائيل" في "كارثة" استئناف الحرب على غزّة، لافتًا أيضًا إلى الاعتداءات على الشعب اليمني والمدنيين، باعتبارها "جريمة أخرى يجب وقفها".
وفي الأيام الأخيرة، اتّجهت كلّ الأنظار إلى طهران لمعرفة ردّها الرسمي على رسالة ترامب، والتي سلّمها للمسؤولين الإيرانيين، الأربعاء الماضي (12 آذار)، المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات، أنور قرقاش.
ويحتمل البعض أن يكون ترامب دعا في رسالته هذه، إلى اتفاق جديد مع إيران، محذّرًا إيّاها، في الوقت نفسه، من هجوم عسكري في حال لم يتمّ التوصّل إلى اتفاق.
وكان المسؤولون الإيرانيون أعلنوا، في الأيام الماضية، أنهم لن يقبلوا بالتفاوض تحت الضغط، وأنه "إذا توفّرت الظروف المناسبة"، فإنهم على استعداد للتفاوض فقط في شأن برنامج إيران النووي، وليس أيّ قضيّة أخرى (برنامج الصواريخ، والسياسات الإقليمية).
وفي هذه الأثناء، قال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، أمس، "(إنّنا) سنردّ على رسالة الرئيس الأميركي خلال الأيام القادمة"، و"سنرسل ردّنا عبر القنوات المناسبة". وفي تصريح إلى التلفزيون الإيراني، أضاف عراقجي: "لن نتفاوض بشكل مباشر إطلاقًا في ظلّ الضغوط والتهديدات وتشديد العقوبات على بلادنا"، موضحًا أنّ "رسالة ترامب في معظمها تهديدية"، لكنّها تزعم أيضًا أنّ "هناك فرصًا". كذلك، أشار وزير الخارجية إلى أنّ "طهران تجري دراسة لكل الزوايا والنقاط في الرسالة"، مضيفًا أن "ردّنا سيأخذ في الاعتبار كلّ أبعاد التهديد والفرص المتاحة".
وفي سیاق متّصل، قالت الناطقة باسم الحكومة الإيرانية، فاطمة مهاجراني، إنه "لا توجد حاليًّا أيّ خطط للكشف عن محتوى رسالة الرئيس الأميركي"، مشيرة إلى "(أنّنا) سنردّ في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة". وأضافت: "نحن شعب السلام والتسامح، شعب رحيم ولطيف، لكنّنا لا نستسلم للتنمّر"، لافتةً إلى أنّ "المفاوضات لها آدابها"، وأنّ "الدبلوماسية ستكون دائمًا متاحة، مع الحفاظ على آدابها".
في المقابل، أفاد مسؤول أميركي ومصدران مطّلعان، موقع "أكسيوس" الإخباري، بأن رسالة ترامب إلى المرشد الأعلى الإيراني تضمّنت مهلة شهرين للتوصّل إلى اتفاق نووي جديد. وبحسب "أكسيوس"، فإنه "ليس من الواضح ما إذا كانت هذه المهلة تبدأ من وقت تسليم الرسالة أم من وقت بدء المفاوضات، ولكن إذا رفضت إيران مبادرة ترامب ولم تتفاوض، فإن فرص العمل العسكري الأميركي أو "الإسرائيلي" ضدّ المنشآت النووية الإيرانية ستزداد بشكل كبير". ووصفت المصادر، الرسالة بأنها "صارمة"؛ فمن جهة، "اقترحت إجراء مفاوضات في شأن اتفاق نووي جديد"، لكنّها حذّرت، من جهة أخرى، من "عواقب رفض إيران العرض ومواصلتها المضيّ قدمًا في برنامجها النووي". ولفت المصدران إلى أن ترامب قال في رسالته إنه لا يريد مفاوضات مفتوحة، مشيرًا إلى مهلة الشهرين للتوصّل إلى اتفاق.
ويأتي ذلك في ما من المقرّر أن يقدّم المدير العام لـ"الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، رافائيل غروسي، تقريره الشامل حول البرنامج النووي الإيراني بعد نحو شهرين.
وإذا لم تُحلّ الخلافات بين طهران والوكالة، خلال هذه المدّة، فقد يصبح هذا التقرير تمهيدًا لإحالة ملف إيران على مجلس الأمن الدولي، والعودة التلقائية للعقوبات الدولية عليها.
وعلى مدى السنوات الأربع الماضية، تطوّر البرنامج النووي الإيراني، وبات أقرب من أيّ وقت مضى إلى إنتاج سلاح نووي، إذ يبلغ مخزون طهران من اليورانيوم المخصّب نسبة 60%، ما يكفي لصنع ست قنابل نووية إذا تمّ تخصيبه إلى 90%، وفقًا لوكالة الطاقة؛ علمًا أن إيران لا تزال تنفي سعيها إلى امتلاك سلاح نووي.