اوراق مختارة

أورتاغوس تبرّر العدوان.. وثلث أميركي معطل في الحكومة؟!.. 

post-img

غسان ريفي (سفير الشمال)

بعد نحو شهرين من تعهداتها بإسم الولايات المتحدة الأميركية بالإنسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي اللبنانية المحتلة ومن نقض العدو لهذه التعهدات وإستمراره بالاعتداءات اليومية على المناطق الآمنة وبخرق إتفاق وقف إطلاق النار، أطلت نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس في جولة جديدة على المسؤولين اللبنانيين حاملة هذه المرة تبريرا رسميا للعدوان الإسرائيلي، رابطة إياه بسحب سلاح المقاومة وحصره بيد الدولة، وواضعة السلطة والشعب أمام هذه المسؤولية والخيار إما بفتح باب التعاون مع أميركا أو بإغلاقه.

هذا الشرط الأميركي يتناقض تماما مع التوجهات اللبنانية التي عبر عنها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في أكثر من مناسبة وتقضي بالانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي اللبنانية وتحرير الأسرى ووقف الخروقات والاعتداءات، على أن تتولى الدولة بعد ذلك مسؤولية حصر السلاح بيدها وبسط سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية.

كما يتناقض شرط أورتاغوس مع المنطق الأميركي نفسه، حيث كيف يمكن للدولة أن تحصر السلاح بيدها وأن تبسط سلطتها على كامل أراضيها في ظل إحتلال إسرائيلي يمنح لنفسه بغطاء أميركي حق الإعتداء على أي منطقة أو هدف يشك فيه بتحركات للمقاومة، ما يؤكد أن القلادة التي تعبر عن نجمة داوود اليهودية التي حرصت أورتاغوس على وضعها في رقبتها خلال جولتها اللبنانية وحاولت إخفاءها خلال لقائها الرئيس نبيه بري، لم تكن للزينة فقط وإنما هي رسالة واضحة بإنتمائها وتوجهاتها مع إدارتها الأميركية في غض النظر عن الاحتلال والعدوان الاسرائيليين وتحويلهما إلى أمر واقع، خصوصا أن القاصي والداني يدرك أن سحب سلاح المقاومة لا يمكن أن يكون بين ليلة وضحاها، كما لا يمكن أن يتم في ظل إحتلال يتربص بلبنان وأهله شرا في كل لحظة..

واللافت، أن ملف الانسحاب الإسرائيلي من لبنان ومعه موضوع السلاح لم يكن الوحيد على طاولة البحث بالرغم من أهميته القصوى، بل كان واحدا من جملة ملفات داخلية بحثتها أورتاغوس مع المسؤولين اللبنانيين وتمحورت حول الرؤية الاقتصادية للدولة والإصلاحات والسرية المصرفية وهيكلة المصارف وأمن المطار وضبط الحدود وإنتشار الجيش على طول مساحتها ووقف التهريب والتعاون مع الدولة السورية، وكذلك، فقد وضعت أورتاغوس لبنان تحت ضغط إما تطبيق الإصلاحات المطلوبة في غضون أسابيع أو حرمان لبنان من المساهمة المالية من صندوق النقد الدولي والبالغة ٢٥٠ مليون دولار أميركي.

وما أثار الكثير من الاستغراب هو عدم حصر أورتاغوس بحث هذه الملفات مع رئيس الحكومة نواف سلام كونه المعني المباشر بها كسلطة تنفيذية بل تجاوُزِها للرئيس سلام وإنتهاكها الخصوصية الحكومية والسيادة اللبنانية إلى ثمانية وزراء قامت بإستدعائهم إلى مقر السفارة الأميركية في عوكر بعضهم بشكل فردي مثل وزير الخارجية يوسف رجي الذي لا ينفك يتماهى مع موقف أورتاغوس في تبرير الاعتداءات الاسرائيلية في مواقف تخالف توجهات العهد والحكومة، وبعضهم الآخر بشكل ثنائي مثل وزير المال ياسين جابر ووزير الاقتصاد عامر البساط ومعهما حاكم مصرف لبنان كريم سعيد، كثلاثي من المفترض أن يشارك في إجتماعات صندوق النقد الدولي بعد أسبوعين، والآخرين مجتمعين وهم الوزراء: جو صدي (الطاقة) فايز رسامني (الأشغال) جو عيسى الخوري (الصناعة) كمال شحادة (التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي) وفادي مكي (التنمية الإدارية) الذين إستمعت إلى وجهات نظرهم في الملفات المطروحة وأعطت التوجيهات الأميركية حيالها.

هذا السلوك الذي إعتمدته أورتاغوس لجهة دعوتها وزراء إلى السفارة وتجاهلها آخرين وتجاوزها الفاضح لرئيس الحكومة نواف سلام الذي كان يمكن إبلاغه بالتوجهات الأميركية وهو بدوره يضع الوزراء المعنيين بأجوائها أو أن يكون إجتماع الوزراء الثمانية بحضوره ورئاسته وفي السراي الحكومي للحفاظ على ماء الوجه بدل إستدعاءهم بهذا الشكل مع حاكم مصرف لبنان الى عوكر، كل ذلك أوحى أن الرئيس سلام جاء بأجندة أميركية حان وقت تنفيذ بعض بنودها، وأن أميركا ضربت بعرض الحائط كل البروتوكولات التي يجب أن تتبعها أي دولة مع لبنان وحكومته ورئيسها، وكذلك فإن إجتماع أورتاغوس مع ثمانية وزراء على وجه الخصوص أعطى إنطباعا أن ثمة ثلثا أميركيا معطلا في الحكومة وربما أكثر ، خصوصا أن بنود أجندة سلام لم يُكشف عنها بشكل كامل، وربما ما تحمله الزيارة الثالثة لأورتاغوس إلى لبنان قد يكون أعظم!..

من نحن

موقع اعلامي يهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية والشؤون الثقافية في لبنان والمنطقة العربية والعالم ويناصر القضايا المحقة للشعوب في مواجهة الاحتلال والاستبداد