في قاعة صغيرة داخل أحد مباني مدينة غزة، والتي ما تزال صامدة على الرغم من الدمار المحيط، يتنقل مجموعة من الزوار بين لوحات فنية ومشغولات يدوية صنعت بخامات مختلفة وبألوان زاهية للتعبير عن الأمل في ظل حرب الإبادة الجماعية المتواصلة منذ عشرين شهرا، والتي سيطر عليها اللونين الأحمر والأسود في إشارة للدم والظلام.
في مبادرة فنية غير مألوفة في زمن الإبادة الجماعية، نظم معرض «الفن للجميع»، يوم السبت، بمشاركة 30 شخصا، بينهم 15 من المكفوفين، لإنتاج أعمال فنية تعبر عن التمسك بالوطن والهوية. وضم المعرض مجموعة من الأعمال الفنية من رسومات ولوحات فسيفسائية أنجزت من مجموعة مختلفة من الخامات أبرزها الخرز والحجارة الصغيرة والقماش، حيث جسدت رموزا وطنية مثل قبة الصخرة وعلم فلسطين وخريطة البلاد.
كما جسد الفنانون في أعمالهم مفاهيم الحرية والأمل في لوحات تضمنت طيورا وزخارف بألوان زاهية تنبض بالحياة، في محاولة لكسر قتامة الحرب والموت المتواصل.
يأتي هذا المعرض في وقت تواصل فيه قوات الاحتلال الإسرائيلي إبادتها الجماعية في قطاع غزة، وتعمق من الكارثة الإنسانية عبر مواصلة تجويع الفلسطينيين هناك، منذ أن أغلقت المعابر في 2 مارس/ آذار، مانعة دخول الغذاء والدواء والمساعدات والوقود.
الطفلة الكفيفة «مِس هنية» (10 سنوات)، والتي شاركت في هذا المعرض، قالت إنها طرزت خريطة فلسطين على الخشب، في عمل فني نادر حيث من المعتاد أن تطرز باستخدام الخيوط الملونة على القطع القماشية. وأضافت أنها أسهمت في إنتاج عمل فني لشجرة اُستبدلت أوراقها الخضراء بالخرز الملون للتعبير عن حاجة الفلسطينيين إلى الفرح الذي حرمتهم منه الإبادة الجماعية. وقالت إن هذا المعرض يهدف إلى إيصال رسالة الفلسطينيين، والأطفال منهم، للعالم أن «فلسطين ستبقى حرة، وهي وطننا رغم الحرب والإبادة والتجويع».
أما الفلسطينية الشابة الكفيفة ختام بدران، فقد قالت للأناضول إنها شاركت في هذا المعرض بعدة أعمال فنية، منها صناعة قلب مطرز من الداخل بالخرز بحسب ألوان العلم الفلسطيني. وأشارت إلى أنها أنتجت أيضا لوحة فسيفسائية تضم طائرا يقف على غصن زيتون يجسد الأسرى، داخل المعتقلات الإسرائيلية، وتطلعاتهم للحرية.
لفتت إلى أنها دمجت الألوان الزاهية في هذه اللوحة مثل «الأزرق والزهري»، لكسر قتامة وسواد الحرب المتواصلة وللتعبير عن الأمل والحياة. وقالت منسقة المعرض غدير حميدة، وهي والدة مس هنية أيضا، إن المكفوفين أبدعوا في المشغولات اليدوية المعروضة هنا. وتابعت، أن المكفوفين نجحوا في دمج الألوان بينما صنعوا لوحات باستخدام خامات متعددة ومختلفة. وأوضحت أن اللوحات تعبر عن تمسك الفلسطينيين بأرضهم، كما أنها دعوة للحياة باستخدام الألوان الزاهية.
في هذا الصدد تابعت: «عانينا الويلات في غزة، فكان اللون السائد هو لون الدم والأسود كناية عن الظلام، لكن اليوم أبدعنا بموضوع الألوان للدلالة على الأمل والحياة». وذكرت أن المكفوفين كانوا طبقة مهمشة في الجانب الفني إذ لم يسبق ويتم تسليط الضوء على مواهبهم، لكنهم اليوم أثبتوها وأظهروا طاقاتهم في مبادة «أثر الفراشة».
أما المنسقة الثانية للمعرض بسمة الجراح، وهي أيضا إحدى الفنانات المشاركات، قالت إن هذه المبادرة نجحت بالدمج بين المكفوفين والمبصرين في أعمال فنية مشتركة. وأضافت، إن هذه الأعمال كشفت عن براعة المكفوفين في الإنتاج الفني. وأكدت على أن هذه المبادرة واجهت عددا من التحديات خاصة وأنه تم إطلاقها خلال حرب الإبادة المتواصلة، وكان من أبرزها صعوبة التنقل للوصول إلى مكان الإنتاج الفني.
كما أشارت إلى أن المكفوفين كان من الصعب عليهم الخروج مندون مرافق للوصول إلى هنا، لكن مع إصرارهم وشغفهم للإبداع تمكنوا من تجاوز هذا التحدي.
جراء الإبادة الجماعية، يندر تنظيم هذه الأنشطة والفعاليات الثقافية والفنية؛ حيث يرى الفلسطينيون أن تنظيمها تحدي للإبادة وتمسكا بالحياة.
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 ترتكب "إسرائيل"، بدعم أمريكي مطلق، إبادة جماعية في قطاع غزة خلفت أكثر من 178 ألف فلسطيني بين قتيل وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين.