على بعد عشرين دقيقة في السيارة عن دمشق، هناك وقف العدو لالتقاط صورة تذكارية لم يكن يحلم بها قبل 52 عامًا، وسط انشغال السوريين بعنوان «مَن يحرّر يقرّر»، فيما الحقيقة أنّ «من يحتل يتصوّر». ونشر الناطق باسم «جيش» العدو الإسرائيلي أفيخاي أدرعي مشاهد تظهر تجوله في القنيطرة جنوب سوريا.
خلال دقائق فقط، تحوّلت صورة أدرعي إلى الموضوع والصورة الأكثر حديثًا وتداولًا على منصّات التواصل الاجتماعية العربية، خصوصًا السورية، فيما غابت بشكل شبه كامل عن وسائل الإعلام. والصورة التي كان من شأنها أن تكون عارًا على أي نظام حكم سياسي يقبل بها، صارت محلّ تندر فقط واختلاف بين مسوغ ومستنكر. كتب أحدهم «صورة توغّل العدو في أرضنا، لم تنل من هيبة الدولة، لكن امرأة سورية حرّة قالت كلمة حق أمام محافظ السويداء نالت منها» في إشارة إلى الشكوى المقدمة بحق الناشطة غادة الشعراني أمام النيابة العامة السورية بعد مواجهتها المحافظ خلال لقاء معه بالتجاوزات المرتكبة من قبل الأمن العام السوري.
صورة أفيخاي الصادمة نفسيًا ومعنويًا للسوريين، تسعى إلى تثبيت ما حققه العدو من توغل في الأراضي السورية خلال الأشهر الماضية، والذي لن يسمح بأن يكون خبر مقاومته من قبل مجموعات شعبية مسلحة في درعا آخر ما يذكر عنه. وتندرج أيضًا ضمن أعماله العدائية الأخرى من التحليق المستمر في الأجواء السورية إلى حد رسم دوائر دخانية فوقها، إضافة إلى الاستهدافات المتكررة لمواقع ومطارات ومستودعات عسكرية، مما أثارت التساؤلات حول وزارة الدفاع ومهامها، وسبب الصمت الرسمي حولها.
هذا؛ وفيما حاول مَن ردّ عن النظام السابق تهمة «بيع الجولان» تجاهل الصورة أو سوغها في إطار العجز أو انتهاء زمن المقاومة، أشار آخرون بسخرية إلى أنّ «الأسد احتاج سنوات لبيع الجولان التي كانت محتلة بينما النظام الجديد باع القنيطرة المحررة كلها في أيام». كما نبهت بعض التعليقات إلى أنّ الاستخدام الكثيف غير المناسب لكلمة «تحرير بعد سقوط نظام الأسد أفقد التحرير معناه الحقيقي وهو مواجهة ودحر الاحتلالات الأجنبية عن أراضينا».
نالت تصريحات شخصيات إعلامية في الإدارة السورية الحصة الأكبر من السخرية، سواء من صانع المحتوى جميل الحسن الذي خرج سابقًا في بث مباشر يتوعّد فيه الإسرائيلي بالرد فيما التزم الصمت خلال الأحداث الأخيرة، أم إعادة نشر أبيات الشعر التي ألقاها ووزير الثقافة السوري الجديد في احتفال تنصيبه.
بعد التصرف قليلًا فيها لتصبح «فسجّل يا زمان النصر سجّل.. دمشقُ يا دوب تضاين لنا من هون لراس السنة»، إذ لا تفصل سوى كيلومترات قليلة بين موقع الصورة وريف دمشق. وتساءل آخرون عإذا كان «هذا هو طبق الكرامة الذي وعدنا سيادة الوزير به! ».